
بقلم: الدكتور محمد الحسيني
في الوقت الذي تلهينا فيه الحكومة المصرية بشعارات الإصلاح الاقتصادي ورفع الدعم تدريجيًا، يعيش المواطن المصري واحدة من أقسى الفترات المعيشية في تاريخه الحديث.
الأسعار تشتعل، والرواتب شبه ثابتة، والطبقة المتوسطة تذوب يومًا بعد يوم، بينما الفقراء يدفعون دفعًا إلى حافة الجوع واليأس.
ورغم التحذيرات، تمعن الحكومة في رفع أسعار المحروقات ومنتجات الطاقة، وكأنها تتعمّد خنق الناس بدلًا من إنقاذهم، البنزين، البوتاجاز، الكهرباء .. كل شيء يرتفع إلا دخل المواطن.
والمبررات جاهزة دائمًا، الدعم عبء، الأسعار العالمية، الإصلاح ضرورة، لكن من يدفع الثمن؟ الشعب فقط هو من يتحمل الفاتورة كاملة.
الحكومة تتحدث عن تحرير أسعار الطاقة، وكأننا في دولة صناعية كبرى تملك دخلًا قوميًّا مرتفعًا ونظام دعم نقدي شامل.
لكن الواقع مختلف تمامًا، المواطن المصري البسيط الذي لا يجد فرصة عمل مستقرة ولا تأمينًا صحيًا ولا تعليمًا محترمًا يطالب بتحمل نتائج قرارات اقتصادية لا يملك فيها صوتًا ولا رأيًا.
هل من المنطقي أن يرفع سعر البنزين والسولار عمود النقل والإنتاج الزراعي والصناعي دون أي حماية حقيقية للمزارعين والصناع والسائقين؟
هل من العدل أن ترفع أسعار البوتاجاز والكهرباء على الأسر الفقيرة دون تقديم بدائل؟
الحكومة وسياسات انتحارية
الحكومة تصف هذه السياسات بأنها ضرورية .. لكنّها في الحقيقة سياسات انتحارية اجتماعيًا، تلقي بالبلاد في هوة التضخم وتفكّك الطبقة المتوسطة وتعمّق الفجوة الطبقية بشكل خطير.
زيادة البنزين والسولار الأخيرة أدّت إلى موجة تضخمية جديدة شملت كل شيء: من الخبز إلى فواتير الكهرباء.
علاوة على أن تكلفة المواصلات تضاعفت، ما جعل الانتقال اليومي عبئًا ماليًا إضافيًا على الأسر.
أسعار السلع الغذائية ترتفع مع كل شحنة وقود، والتاجر يحمّل المستهلك كل جنيه، لا رقابة حقيقية، لا دعم نقدي كافٍ، لا استجابة لمطالب المواطنين.
الحكومة تعلن عن تجميد الأسعار وبرامج الحماية، لكنّ الشارع لا يشعر بشيء من ذلك، الفقراء يحترقون .. بينما البيانات الحكومية تتحدث عن نمو اقتصادي لا يشعر به أحد سوى طبقة ضيقة من المستفيدين.
والسؤال المهم، أين تذهب عوائد رفع أسعار الوقود؟ لماذا لا تنعكس على تحسين الخدمات العامة أو دعم الفقراء؟
كذلك، لماذا لا يطال الأغنياء وأصحاب رؤوس الأموال بمساهمات عادلة؟ فالضرائب التصاعدية على الثروة غائبة، في حين يسحق الفقراء تحت عجلات الأسعار.
لماذا لا تطبّق خطة دعم نقدي حقيقي وعادل؟ فالدعم الحالي هزيل، ولا يغطي حتى جزءًا بسيطًا من الزيادات التي تفرض على الناس.
لماذا لا يستمع لصوت الشارع؟ والمواطن يعاني بصمت .. والحكومة تمضي في طريقها دون تراجع أو مراجعة.
الإصلاح الحقيقي لا يكون بإفقار الفقير، ولا بتدمير الطبقة المتوسطة .. بل ببناء اقتصاد عادل يحمّل كل فئة ما تستطيع تحمّله، ويضمن للناس حدًا أدنى من الحياة الكريمة.
ما تفعله الحكومة المصرية اليوم برفع متكرر وغير مدروس لأسعار المحروقات هو إفقار ممنهج
بالإضافة إلى تفريغ للبلد من قدرته على الصمود، ودفع الملايين نحو اليأس أو الهجرة أو الغضب.
الشعب المصري لا يطلب المستحيل، كل ما يريده هو حكومة تفهم معنى العدل، وتسمع صوت الناس، وتعرف أن الإصلاح لا يقاس بالأرقام فقط، بل بمدى قدرة المواطن على العيش بكرامة.
Share this content:
إرسال التعليق