رئيس مجلس الإدارة والمشرف العام
د/ محمد الحسيني

الدكتور محمد الحسيني يكتب: صراعات الشرق الأوسط .. دلالات وانعكاسات

20 مارس 2025 1:57 م 0 تعليق
د. محمد الحسيني
د. محمد الحسيني

تشهد منطقة الشرق الأوسط تحديات كبيرة على الصعيد الإقليمي، حيث تتفاقم الأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وتتنوع هذه التحديات بين النزاعات المسلحة، التدخلات الخارجية، الأزمات الإنسانية، وانعدام الاستقرار السياسي في بعض الدول.

كما أن التوترات العرقية والطائفية تلعب دوراً في تعقيد المشهد الإقليمي، مما يضع المنطقة أمام تحديات تتطلب حلولاً عاجلة وشاملة لتحقيق السلام والتنمية المستدامة.

والغريب أنه لا توجد منطقة في العالم تتواجد فيه كل هذه المعضلات القوية، والتحديات الضخمة، والأهوال العظيمة التي شهدتها وتشهدها منطقة الشرق الأوسط.

بداية، الصراع العربي – الفلسطيني، أو كما يحلو البعض تسميته الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي هو أحد أكثر النزاعات تعقيدًا وطولًا في التاريخ الحديث.

يتمحور الصراع حول قضايا متعددة، منها الأراضي، والهوية الوطنية، والاعتراف الدولي، وحقوق اللاجئين الفلسطينيين.

بدأ النزاع بشكل أساسي مع نهاية الانتداب البريطاني على فلسطين وقرار تقسيم فلسطين الصادر عن الأمم المتحدة عام 1947.

 أدى هذا القرار لإعلان قيام دولة إسرائيل عام 1948، مما تسبب في نزوح مئات الآلاف من الفلسطينيين، وهو ما يُعرف بالنكبة.

على مر العقود، شهد الصراع العديد من الحروب والمواجهات المسلحة، مثل حرب 1948، وحرب 1967 التي احتلت فيها إسرائيل الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس الشرقية.

بالإضافة إلى العديد من الانتفاضات الفلسطينية، كما جرت محاولات عديدة للسلام، مثل اتفاقيات أوسلو في التسعينيات، لكنها لم تؤدِ إلى حل دائم.

ولا تزال القضية الفلسطينية لا تزال محور اهتمام عالمي، حيث يسعى المجتمع الدولي لإيجاد حل عادل ودائم يضمن حقوق الشعب الفلسطيني وحقه في تقرير المصير، ويحقق السلام في المنطقة.

والصراع السني الشيعي هو أحد القضايا المعقدة تعمّقت هذه الخلافات بسبب عوامل سياسية واجتماعية وثقافية، وأحيانًا تم استغلالها من قبل قوى خارجية لتعزيز الانقسامات.

ونعلم جيدًا من يقوم بإذكاء هذه الفتنة، من أجل توسيع هوة الخلاف المذهبي بين المعسكرين، ولأهداف إقليمية وقحة، تخوص فيها المخابرات الدولية من أجل العدو الاول للإنسانية، العدو الإسرائيلي.  

كما أن الصراع على نقطة المياه في الشرق الأوسط هو موضوع حساس ومعقد يرتبط بالعديد من العوامل الجغرافية والسياسية والاقتصادية.

حيث تُعد المياه موردًا حيويًا في منطقة تعاني من ندرة الموارد المائية، مما يجعلها مصدرًا للتوتر بين الدول.

تشمل هذه الصراعات نزاعات حول الأنهار المشتركة مثل نهر النيل بين دول حوض النيل، ونهر الفرات ونهر دجلة بين تركيا وسوريا والعراق.

وتلعب العوامل السياسية دورًا كبيرًا في تحديد كيفية استفادة الدول من هذه الموارد، حيث تسعى كل دولة إلى تأمين احتياجاتها من المياه لأغراض الزراعة والصناعة والشرب.

بالإضافة إلى ذلك، تزداد حدة الصراع بسبب التغيرات المناخية التي تؤدي إلى تقليل كميات الأمطار وزيادة التصحر.

وتلعب إسرائيل دورًا معقدًا في قضية سد النهضة الإثيوبي، من خلال تعاون تقني وعسكري بين إسرائيل وإثيوبيا، من أجل وقف صنبور الحياة الجاري في نهر النيل.

هذا العبث السافر بمقدرات المنطقة من نقطة المياه، لهو من أهم الأوراق التي تلعب بها إٍسرائيل من أجل الضغط على الأنظمة المجاورة للابتزاز، وخلق مشكلات مستعصية مع دور الجوار.

كما ان الخلافات العربية – العربية تعتبر من القضايا التي أثرت على مسار التاريخ السياسي والاجتماعي في المنطقة.

هذه الخلافات قد تكون نتيجة لتباينات في الرؤى السياسية أو المصالح الاقتصادية أو الاختلافات الثقافية والاجتماعية.

ويلعب أعداء الأمة العربية على هذا الوتر جيدًا، من أجل توسيع هوة الخلافات بين الأخوة في الدم واللغة والنضال، والجميع يعلمون ذلك، إلا حكامنا العرب!!

كما أن الاشتباكات بين سوريا وحزب الله على الحدود المشتركة بينهما تشير إلى تصاعد التوترات في المنطقة، مما يزيد من تعقيد الوضع الأمني في منطقة لا تستحمل أكثر من هذا العبث الأمني .

ولا ننسى الصراع بين الحوثيين والتكتل الدولي بزعامة راعية الإرهاب في العالم الولايات المتحدة الأمريكية، وتأثيره على الملاحة في البحر الأحمر، حيث يُعتبر هذا الممر المائي من أهم الطرق التجارية العالمية.

وتصاعد التوترات في المنطقة يؤدي إلى تهديد أمن السفن التجارية والنقل البحري، مما يثير قلق المجتمع الدولي.

كما أن الهجمات التي تستهدف السفن أو المنشآت النفطية قد تؤدي إلى تعطيل الإمدادات العالمية وارتفاع أسعار النفط.

وجزر الإمارات الثلاث، طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبو موسى، هي موضوع نزاع طويل الأمد بين الإمارات العربية المتحدة وإيران.

احتلت إيران هذه الجزر في عام 1971 قبيل انسحاب القوات البريطانية من المنطقة.، ومنذ ذلك الحين تعتبر الإمارات العربية المتحدة أن هذه الجزر جزء لا يتجزأ من أراضيها وتطالب باستعادتها، وإيران تصر على أن الجزر جزء من سيادتها.

كما أن مشاكل الأكراد في الشمال العربي، ودعاوي الانفصال عن الوطن الام، تعد موضوعًا معقدًا ومتشعبًا، حيث تتداخل فيه القضايا السياسية والاجتماعية والاقتصادية.

الأكراد، كأقلية عرقية، يعانون في بعض الأحيان من التهميش وعدم الاعتراف بحقوقهم الكاملة في بعض الدول العربية.

هذا التهميش قد يشمل قضايا مثل الهوية الثقافية، اللغة، والتعليم، بالإضافة إلى تحديات تتعلق بالمشاركة السياسية والاقتصادية.

في بعض المناطق، يسعى الأكراد للحصول على حقوق أكبر تتعلق بالحكم الذاتي أو الاعتراف بثقافتهم وهويتهم.

ومع ذلك، فإن هناك العديد من العوامل التي تزيد من تعقيد هذه القضية، مثل التوترات الإقليمية، التدخلات الخارجية، والصراعات المسلحة.

ومشكلة الصحراء المغربية تعود جذورها إلى فترة الاستعمار الإسباني للصحراء الغربية، حيث طالبت المغرب باسترجاع المنطقة باعتبارها جزءًا من أراضيه التاريخية.

بعد انسحاب إسبانيا في عام 1975، تم تقسيم المنطقة بين المغرب وموريتانيا، لكن جبهة البوليساريو، التي تدعمها الجزائر، طالبت بإقامة دولة مستقلة في الصحراء الغربية.

تطورت القضية إلى نزاع مسلح بين الأطراف المختلفة حتى تم توقيع وقف إطلاق النار برعاية الأمم المتحدة في عام 1991.

ومنذ ذلك الحين، ما زالت القضية تراوح مكانها، حيث يدعو المغرب إلى الحكم الذاتي تحت سيادته، بينما تطالب جبهة البوليساريو بإجراء استفتاء لتقرير المصير.

والقضية لا تزال محط اهتمام المجتمع الدولي وتثير جدلاً واسعًا بسبب تأثيرها على الاستقرار الإقليمي والعلاقات بين الدول المغاربية.

كما أن دعاوي تقسيم السودان يعتبر من القضايا الحساسة والمعقدة التي أثارت جدلاً واسعاً على مر السنين.

ويعود ذلك إلى التحديات السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي واجهتها البلاد منذ استقلالها، وتعاني السودان اليوم من أنهار الدم المسال.

حيث الانقسامات العرقية والدينية والثقافية لعبت دوراً كبيراً في تأجيج هذه الدعاوي، بالإضافة إلى التوترات القاتلة بين الأطراف المتصارعة.

أدت هذه الصراعات إلى انفصال جنوب السودان في عام 2011، مما شكّل سابقة تاريخية في المنطقة.

ومع ذلك، لا تزال هناك مخاوف من أن تستمر هذه الدعاوي في التأثير على استقرار السودان، خاصةً مع وجود نزاعات أخرى في مناطق مثل دارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق.

ولا ننسى ثورات الربيع العربي، التي اندلعت عام 2010 واستمرت في السنوات التالية والتي لعبت فيه الولايات المتحدة الأمريكية دورًا متباينًا.

كان هذا الدور يختلف حسب الدولة والسياق السياسي والاقتصادي فيها، على سبيل المثال، دعمت الولايات المتحدة بعض الحركات الشعبية التي طالبت بالديمقراطية والتغيير، بينما ظلت أكثر تحفظًا أو حتى معارضة في حالات أخرى، بناءً على مصالحها الاستراتيجية في المنطقة.

في تونس ومصر، تبنت واشنطن موقفًا داعمًا نسبيًا للتحولات السياسية، خاصة بعد سقوط الأنظمة الحاكمة، وفي ليبيا، شاركت الولايات المتحدة بشكل مباشر من خلال التدخل العسكري بقيادة الناتو للإطاحة بنظام معمر القذافي.

أما في سوريا واليمن، فقد كان الموقف الأمريكي أكثر تعقيدًا، حيث تراوح بين الدعم المحدود لبعض الفصائل المعارضة، والقلق من تصاعد نفوذ الجماعات المتطرفة.

يمكن القول إن دور أمريكا في الربيع العربي كان مدفوعًا بمزيج من دعم القيم الديمقراطية المزيف وتأثيرها على استقرار الدول.

ما يحدث في الوطن العربي اليوم يشكل تحديًا وجوديًا يتطلب منا جميعًا التفكير العميق والعمل المشترك.

ومن الواضح أن المنطقة تعيش حالة من الاضطراب المستمر، وهو ما يثير تساؤلات حول الجهات المستفيدة من هذه الفوضى.

الإمبريالية الغربية لعبت على مدار التاريخ دورًا واضحًا في زعزعة استقرار المنطقة، وسعت لتحقيق مصالحها الذاتية على حساب شعوبنا ومواردنا.

ولا يمكننا إغفال الدعم المستمر الذي تقدمه هذه القوى للكيان الصهيوني، الذي يظل جرحًا نازفًا في قلب الأمة العربية.

وما يجري ليس مجرد سلسلة من الأحداث العابرة، بل هو تهديد حقيقي لهويتنا وأمننا ومستقبل أجيالنا.

لذلك، نحن بحاجة إلى وقفة تأمل جادة لفهم أبعاد هذه المؤامرات والتحديات، علينا أن ندرك أن الحل لا يكمن فقط في مواجهة الأعداء الخارجيين.

بل الحل الصعب هو في إصلاح أوضاعنا الداخلية، وتعزيز وحدتنا، وبناء مجتمعات قائمة على العدالة والحرية والتنمية المستدامة.

إن التكاتف والعمل الجاد هما السبيل الوحيد لمواجهة هذه التحديات، يجب أن نعيد النظر في أولوياتنا ونركز على بناء مستقبل أفضل لأوطاننا.

فالأمل لا يزال موجودًا، لكنه يتطلب منا الصبر والإصرار على تحقيق التغيير الإيجابي، وعلينا أن نتعلم من دروس الماضي، ونستخلص العبر لنكون قادرين على مواجهة هذه التحديات بحكمة وإصرار .. فهل نحن مستعدون لتحمل هذه المسؤولية التاريخية ؟ .. أشك .   

Share this content:

إرسال التعليق

مقالات أخري