
في مشهد يعكس واقعًا مألوفًا في الكرة المصرية، تجددت التساؤلات حول مدى حيادية تطبيق اللوائح بعد أزمة انسحاب الأهلي من مباراة القمة أمام الزمالك في مارس 2025.
فبينما كان ينتظر تطبيق العقوبات المنصوص عليها بصرامة، جاءت القرارات لتثير جدلاً واسعًا حول مفهوم العدالة في المسابقة، والانحياز الواضح لصالح أحد قطبي الكرة المصرية.
بداية الأزمة
في 11 مارس 2025، قرر النادي الأهلي عدم خوض مباراة القمة أمام الزمالك، احتجاجًا على تعيين طاقم تحكيم مصري، رغم طلبه استقدام حكام أجانب.
ووفقًا للمادة (8.17) من لائحة المسابقة، قررت لجنة المسابقات برابطة الأندية اعتبار الزمالك فائزًا بنتيجة 3-0، وخصم 3 نقاط من رصيد الأهلي بنهاية الموسم، بجانب توقيع غرامة مالية على النادي الأحمر.
محاولات الأهلي للهرب من العقوبة
عقب صدور القرار، سارع الأهلي إلى تقديم تظلم للجنة الأولمبية المصرية، اعتراضًا على العقوبات، مؤكدًا أن الانسحاب جاء بدافع “الظروف القهرية” المرتبطة بضيق الوقت وصعوبة استقدام حكام أجانب.
وفي هذا الوقت، أصدرت رابطة الأندية بيانًا رسميًا أكدت فيه التزامها بتطبيق ما يصدر عن اللجنة الأولمبية المصرية أيًا كان القرار.
وبالفعل، جاءت نتيجة التظلم صادمة لجماهير الأهلي، حيث أيدت اللجنة الأولمبية قرار لجنة المسابقات، وأكدت على ضرورة تطبيق اللائحة كاملة، بما فيها خصم النقاط، لتغلق بذلك – نظريًا – باب الجدل.
استخفاف بالقرارات الرسمية
لكن المفاجأة الكبرى لم تكن فيما سبق، بل في ما حدث لاحقًا، حين قررت رابطة الأندية، برئاسة أحمد دياب، وبمنتهى الاستخفاف بالعقول، تجاهل قرار اللجنة الأولمبية – التي تمثل أعلى جهة رياضية رسمية في البلاد – وأعلنت في بيان رسمي عدم خصم 3 نقاط من الأهلي بنهاية الموسم، مكتفية باعتباره مهزومًا أمام الزمالك فقط.
قرار وصف بالفجّ، وأثار موجة غضب وسخرية واسعة على مواقع التواصل الاجتماعي، وسط تساؤلات عن جدوى وجود لوائح، إذا كانت قابلة للتجاهل عند الضرورة.
لجنة التظلمات.. الضلع الأخير في المشهد
وفي تطور أخير، وصلت القضية إلى لجنة التظلمات بالاتحاد المصري لكرة القدم، التي كان يؤمل أن تعيد الأمور إلى نصابها بتطبيق اللوائح بشكل صارم، لكنها بدورها قررت تأييد قرار رابطة الأندية، لتغلق بذلك كل الأبواب القانونية أمام استعادة العدالة، وتمهّد طريق الأهلي نحو التتويج بلقب جديد يضاف إلى خزائنه في ظل ظروف استثنائية تثير الكثير من الجدل والتساؤلات.
مقارنة بموقف الزمالك
تعيد هذه الواقعة للأذهان ما حدث مع الزمالك في أكثر من مناسبة، وتحديدًا في موسمي 2019-2020 و2023-2024.
في الأولى، قرر عدم خوض مباراة القمة بداعي تعذر وصول الحافلة إلى الملعب، وتم تطبيق اللائحة بحذافيرها، باعتباره مهزومًا مع خصم 3 نقاط وغرامة مالية.
وفي الموسم الماضي 2023-2024، انسحب الزمالك من مباراة القمة أيضًا، بسبب اعتراضه على عدم تحقيق مبدأ تكافؤ الفرص، حيث كان الأهلي لم يخض مؤجلاته في ذلك الوقت، وهو ما اعتبره الزمالك إخلالاً بمبدأ العدالة.
رغم ذلك، لم تراعِ اللجنة أي ظروف أو اعتراضات، وتم تطبيق اللائحة على الزمالك دون تردد، بخصم النقاط واعتباره خاسرًا، دون أي تفسير مرن أو استثناء.
تحليل: عدالة بلون واحد
ما حدث في أزمة القمة الأخيرة لا يمكن وصفه سوى بأنه انتقائية في تطبيق العدالة، فحين يتعلق الأمر بالأهلي، يتم تأويل النصوص وتبديل القرارات، في حين تطبق العقوبات بلا هوادة على الأندية الأخرى.
هذا التفاوت لا يهدد فقط نزاهة المنافسة، بل يفقد الجماهير الثقة في المنظومة الرياضية برمتها.
العدالة لا تعرف ألوانًا، ولا يجب أن ترتبط باسم نادٍ أو شعبيته، بل يجب أن تكون مبدأً فوق الجميع، لكن في الكرة المصرية، يبدو أن هناك قطبًا واحدًا فقط يحكم اللعبة .. والبقية مجرد كمالة عدد.
Share this content:
إرسال التعليق