
كتب: صلاح هليل
مشروع “E1” الاستيطاني يعتبر من أخطر المشاريع التي تسعى إسرائيل من خلالها إلى تحقيق أهداف استراتيجية بعيدة المدى تهدد بشكل مباشر إمكانية قيام دولة فلسطينية ذات سيادة ومتصلة جغرافياً.
وبحسب وكالة الأنباء الفلسطينية الرسمية “وفا” فإن هذا المشروع، الذي يقع بين القدس الشرقية والضفة الغربية، يعدّ أكثر من مجرد توسع استيطاني؛ فهو جزء من رؤية استعمارية.
تلك الرؤية التي تهدف إلى إعادة تشكيل الجغرافيا الفلسطينية بما يخدم المصالح الإسرائيلية ويكرّس واقعاً جديداً على الأرض.
تكمن خطورة المشروع في كونه يهدف إلى عزل القدس عن محيطها الفلسطيني بشكل كامل، ما يؤدي إلى تمزيق الضفة الغربية إلى أجزاء منفصلة أشبه بكانتونات معزولة.
هذا الفصل الجغرافي يضعف الترابط الطبيعي بين المدن والقرى الفلسطينية، ويخلق واقعاً جغرافياً وديموغرافياً جديداً يخدم المشروع الاستيطاني الإسرائيلي.
كما أن المشروع يحمل أبعاداً سياسية واستراتيجية تتجاوز مجرد البناء العمراني، حيث يسعى إلى فرض وقائع نهائية تعيق أي تسوية سياسية مستقبلية.
المجتمع الدولي يواجه تحدياً حقيقياً أمام هذا المشروع، حيث أن الاستيطان في الأراضي المحتلة يعدّ غير قانوني وفقاً للقانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة.
ومع ذلك، فإن غياب ردود فعل حاسمة وفعّالة يشجع إسرائيل على المضي قدماً في تنفيذ مخططاتها الاستيطانية.
مشروع “إي-1” يعكس بوضوح السياسة الإسرائيلية القائمة على فرض الأمر الواقع، وهو ما يتطلب قراءة معمقة لطبيعته وأبعاده وتأثيراته على مستقبل القضية الفلسطينية.
التصدي لهذا المشروع يتطلب موقفاً صارماً من المجتمع الدولي ودعماً أكبر للحقوق الفلسطينية المشروعة.
إن تنفيذ مشروع “إي–1” لا يعد انتهاكاً للقانون الدولي فقط، بل يمثل أيضاً تحدياً للقرارات الدولية التي تؤكد على حقوق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة.
هذا المشروع يظهر بوضوح الاستراتيجية الإسرائيلية طويلة الأمد التي تهدف إلى فرض الحقائق على الأرض وتقويض أي حل سياسي عادل للصراع.
وسنسرد في هذا التقرير كل ما يخص هذا المشروع الاستيطاني الإسرائيلي البغيض:
مسار تنفيذ مخطط “إي-1” الاستيطاني
تم إطلاق مسار تنفيذ مشروع “E1” الاستيطاني في أغسطس 2025، بإعلان وزير المالية الإسرائيلي المتطرف بتسلئيل سموتريتش، يعدّ خطوة تصعيدية خطيرة.
الإعلان شمل نية بناء 3,400 وحدة استيطانية وربط مستوطنة معاليه أدوميم بالقدس الشرقية، وهو ما يهدف بشكل واضح إلى “دفن فكرة الدولة الفلسطينية”، كما وصفه سموتريتش نفسه.
هذا المخطط يعكس إصرار إسرائيل على تقويض حل الدولتين الذي يعتبر أساساً للشرعية الدولية وجهود السلام.
تعريف وموقع المشروع
ووفق وكالة “وفا” أن إي-1/ E1 كتلة تخطيطية استيطانية تقع في المناطق المصنفة (ج) بين مستوطنة معاليه أدوميم وبسغات زئيف.
وتمتد على نحو 12 كم² تحفّ بلدات عناتا، العيساوية، الزعيم، العيزرية، أبو ديس شرق القدس.
الهدف المعلن تاريخياً: ربط مستوطنة معاليه أدوميم بالقدس وإخراج الأحياء الفلسطينية من مجال تطوّرها الطبيعي.
وفي بعدٍ أوسع، يخدم المخطط رؤية «القدس الكبرى» بمساحة تقارب 600كم² (نحو 10% من الضفة)، عبر أحزمة طرق ومناطق صناعية وأحياء جديدة.
يعتمد التنفيذ على مشروع طريق «نسيج الحياة الاستيطاني ومسارات بديلة (منها الطريق البديل 08) لفصل حركة الفلسطينيين عن معاليه أدوميم.
علاوة على ربط العيزرية بالزعيم عبر ممرات محكومة، مع مسار شرقي يقترب من الخان الأحمر.
عملياً تخصَّص طرق سريعة للمستوطنين وتركّز حركة الفلسطينيين في أنفاق/جسور محكومة المرور.
التسلسل الزمني لمشروع E1 الاستيطاني
مشروع “إي–1” الاستيطاني يعتبر من أخطر المشروعات التي تهدف إلى تغيير الواقع الجغرافي والديموغرافي في الضفة الغربية والقدس.
حيث تسعى إسرائيل من خلاله إلى فرض وقائع جديدة على الأرض تعيق أي إمكانية لإقامة دولة فلسطينية متصلة جغرافياً وقابلة للحياة.
يعود تاريخ هذا المشروع إلى أوائل تسعينيات القرن الماضي، عندما بدأ التخطيط له في عهد رئيس الوزراء الإسرائيلي إسحق رابين.
وذلك كامتداد لمستوطنة معاليه أدوميم وربطها بمدينة القدس. ومنذ ذلك الحين، تطور المشروع ليصبح أداة استراتيجية رئيسية في السياسة الإسرائيلية.
بهدف تفكيك الجغرافيا الفلسطينية وتحويلها إلى مناطق معزولة أشبه بكانتونات وتفتيتها وضمها في النهاية.
خلال الفترة بين 1997 و1999، حصل المشروع على مصادقات أمنية وحكومية، وتم إعلان آلاف الدونمات المحيطة به كـ”أراضي دولة”.
مما أعطى الأساس القانوني الإسرائيلي للتوسع المستقبلي، ورغم الضغوط الدولية التي أدت إلى تجميد المشروع مؤقتاً بين عامي 2009 و2012، إلا أن إسرائيل استغلت الفرص السياسية لاحقاً لإعادة إحيائه.
خاصة بعد إعلان “صفقة القرن” الامريكية التي وفرت دعماً سياسياً للمشروع.
وفي العام 2025، شهد المشروع تطوراً خطيراً عندما رفضت لجنة الاعتراضات جميع الطعون المقدمة ضده.
مما مهد الطريق لبدء التنفيذ الفعلي بإعلان وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش.
هذه الخطوة تشكل تهديداً مباشراً لإمكانية إقامة دولة فلسطينية مستقلة ومتواصلة جغرافياً.
حيث يهدف المشروع إلى عزل القدس عن محيطها الفلسطيني وربط المستوطنات ببعضها البعض ضمن شبكة متكاملة.
التأثيرات المكانية والديمغرافية
مشروع E1 الاستيطاني الإسرائيلي يمثل تحديًا استراتيجيًا للفلسطينيين على مستويات متعددة، حيث يسعى لإحداث تغييرات جذرية في الجغرافيا والديموغرافيا الفلسطينية.
تنفيذ هذا المخطط يؤدي إلى قطع التواصل الجغرافي بين شمال الضفة الغربية وجنوبها، مما يجعل من الصعب على الفلسطينيين التنقل بحرية بين المدن الرئيسية.
مثل رام الله وبيت لحم، كما يعزل القدس الشرقية عن محيطها الفلسطيني، مما يهدد مكانتها كعاصمة مستقبلية لدولة فلسطين.
الديموغرافيا الفلسطينية تتعرض أيضًا لضغوط كبيرة بسبب هذا المخطط، حيث يتم ضخ آلاف المستوطنين الجدد في المنطقة بهدف تغيير التوازن السكاني لصالح المستوطنين الإسرائيليين.
هذا يأتي بالتزامن مع تقييد التوسع العمراني الفلسطيني شرق القدس، مما يعزز السيطرة الاستيطانية ويضعف الوجود الفلسطيني التاريخي في المنطقة.
التجمعات البدوية، وخاصة عشيرة الجهالين، تواجه خطرًا وجوديًا نتيجة لهذا المشروع.
التهجير القسري من جانب الاحتلال وفقدان مصادر العيش يشكلان تهديدًا مباشرًا لهذه المجتمعات التي تعتمد على أراضيها للبقاء.
إعلان “أراضي الدولة” في المناطق المحيطة يزيد من تعقيد الوضع ويقلل من الخيارات المتاحة لهذه التجمعات.
على الصعيد الاقتصادي، يؤدي المخطط إلى تعميق الفصل الممنهج بين الفلسطينيين والمستوطنين.
بينما تخصص للمستوطنين طرق سريعة ومباشرة، يجبر الفلسطينيون على استخدام طرق التفافية أطول وأبطأ، مما يزيد من زمن التنقل وتكاليف التجارة.
هذا الوضع يولّد اقتصادًا هامشيًا حول الحواجز ويضعف القدس كمركز حضري فلسطيني تاريخي.
بالتالي، مشروع “إي–1” ليس مجرد توسع استيطاني، بل هو منظومة متكاملة تهدف إلى العزل الجغرافي، الإقصاء الديمغرافي.
بالإضافة إلى الخنق الاقتصادي للفلسطينيين، مما يهدد بشكل مباشر إمكانية قيام دولة فلسطينية متصلة وقابلة للحياة في المستقبل.
تاريخ مخطط”E1″ الاستيطاني
ووفقاً لأحدث التقارير الواردة من وكالة “وفا” من قبل هيئة مقاومة الجدار والاستيطان، فقد صادقت حكومة الاحتلال، على مشروع “E1” الاستعماري.
المخطط يحمل رقم (4/420) عام 1999، على أراضٍ تبلغ مساحتها 12,000 دونم، أعلنت معظمها “أراضي دولة”، وأصبحت فيما بعد تابعة لمستعمرة “معاليه أدوميم”.
عام 2012، أقرت حكومة الاحتلال مخطط”E1″ الاستعماري، الذي يتضمن المخططات التالية:
أولًا: مخطط رقم (2/4/420):
يستولي الاحتلال بموجبه على (1350) دونما لإقامة منطقة صناعية شمال غرب المنطقة المصنفة E1.
ثانيًا: مخطط رقم (9/4/420):
ويستولي الاحتلال بموجبه على (180) دونما لإقامة مقر لشرطة الاحتلال، وقد تم تشييد المقر المذكور بهدف توسيع مناطق الاستيلاء.
ثالثًا: مخطط للاستيلاء على مساحة (500) دونم:
وذلك من أراضي عناتا وشعفاط لاقامة مكب نفايات على أن يتم تحويلها لاحقا لحديقة عامة للمستعمرين.
ثلاثة مخططات تفصيلية للبناء، وهي:
مخطط (10/4/420) لبناء 2176 وحدة استعمارية، ومخطط (3/4/420) لبناء 256 وحدة استعمارية.
بالإضافة إلى 2152 غرفة فندقية، ومخطط (7/10/420) لبناء 1250 وحدة، وآخر لإقامة حديقة توراتية إلى الشمال الغربي من المخطط المذكور.
تكتلات استعمارية أخرى
ولعل من أكبر التكتلات الاستعمارية الاسرائيلية في الضفة الغربية التي تنوي اسرائيل ضمها الى القدس من خلال تنفيذ مخطط “القدس الكبرى”.
الذي يشمل بناء جدار الفصل والتوسع العنصري حول مدينة القدس وتوسيع حدودها لتشمل التكتلات الاستعمارية الاسرائيلية الثلاث حولها، وهي:
– تكتل مستعمرات معاليه أدوميم شرقاً.
– علاوة على تكتل مستعمرات جفعات زئيف شمالاً.
– بالإضافة إلى تكتل مستعمرات جوش عتصيون جنوباً.
إن ربط هذه المستعمرات بالقدس الشرقية ومنها بأراضي عام 1948 يهدف الى خلق تواصل جغرافي بين التكتلات الاستعمارية من جهة.
علاوة على عزل وإخراج التجمعات الفلسطينية التابعة تاريخيا خارج حدود المدينة وحرمانها من حقها التاريخي في المدينة.
اقرأ أيضًا:
Share this content:
إرسال التعليق