
كتب: خالد عبد الكريم
يرى محللون سياسيون لتصرفات إسرائيل تجه سوريا أن المشروع الذي تدفع به تل أبيب لدمشق لا يقتصر على ترتيبات أمنية أو تسوية مؤقتة.
وذكر التلفزيون الرسمي السوري في تقرير موسع أن المشروع الإسرائيلي يتجاوز ذلك إلى محاولة صياغة اتفاق سلام بشروط إسرائيلية تفرض من موقع القوة.
ففي هذا السياق، يؤكد الباحث في الشأن الإسرائيلي محمد هلسة أن إسرائيل تسعى إلى سلام يقوم على الإخضاع لا الندية.
سلام يضمن لها مصالحها الاستراتيجية ويبقي سوريا ضعيفة ومحمّلة بأزماتها الداخلية، ومواصلة التمسك بتفككها.
ويشير هلسة إلى أن إسرائيل تريد نموذجًا تكون فيه الطرف المهيمن في الإقليم، بحيث يدخل أي طرف في اتفاق معها من موقع المضطر لتجنّب الأذى، لا من موقع الشريك المتساوي.
وينعكس هذا المنطق في التسريبات السياسية الإسرائيلية التي تحدّثت، في تشرين الثاني الماضي، عن وصول المفاوضات مع دمشق إلى “طريق مسدود” .
وذلك بسبب رفض إسرائيل الانسحاب من المناطق التي سيطر عليها جيشها بعد سقوط النظام السابق في سوريا.
ووفق تلك التسريبات، تتمسك تل أبيب بصيغة لا تقبل سوى انسحابات محدودة مقابل اتفاق سلام شامل، وليس مجرد ترتيب أمني محدود.
وتكشف المصادر السياسية الإسرائيلية أن تل أبيب ترفض مطلب الرئيس السوري أحمد الشرع بالانسحاب الكامل من جميع النقاط التي سيطرت عليها.
وتربط أي خطوة في هذا الاتجاه بشروط أوسع تخدم رؤيتها للسلام القائم على التفوق والردع، لا على استعادة سوريا لسيادتها.
السلام القائم على القوة
وتتوافق هذه القراءة مع تحليلات مراكز أبحاث إسرائيلية؛ إذ يشير تحليل لمعهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي (INSS) صدر في أيار الماضي إلى أن مقاربة تل أبيب تجاه سوريا الجديدة ترتكز على القوة الصلبة وتوسيع منطقة عازلة في الجنوب.
مع إنشاء “حزام أمني” فعلي بديل عن أي مسار سياسي جدي، بما يجعل إسرائيل لاعبًا أمنيًا مسيطرًا لا شريكًا في تسوية متوازنة.
اتفاق “لا حرب” برعاية واشنطن
بالتوازي، يبرز خيار ثالث بدأ يحظى باهتمام إسرائيلي متزايد، يتمثل في صيغة اللاحرب واللاسّلام.
وهي مقاربة تهدف إلى تثبيت الوضع القائم دون الدخول في التزامات سياسية أو سيادية عميقة.
ويرى الباحث رائج أبو بدوية أن هذا النموذج، المتوقع تنفيذه برعاية أميركية، يقوم على اتفاق عدم اعتداء يجنّب الطرفين التصعيد.
ويمنح إسرائيل فرصة للاحتفاظ بمكاسبها الحالية دون إعادة الجولان أو الاعتراف بسيادة سورية كاملة على الجنوب.
ويقوم هذا التصور على جملة مبادئ منها: وقف العمليات العسكرية المباشرة، إبقاء التوترات تحت سقف مضبوط.
بالإضافة إلى السيطرة على المناطق الاستراتيجية دون التزام بانسحاب شامل، وفتح قنوات اقتصادية وإنسانية محدودة بقبول سوري ضمني بالأمر الواقع.
أما هلسة، فيرى أن المقاربة تتقاطع مع الرؤية الأميركية من دون أن تتطابق معها؛ إذ تنظر واشنطن ـ خاصة خلال توجهات إدارة ترمب ـ إلى سوريا الجديدة كفرصة لإخراجها من المحور الإيراني.
وضمان اصطفافها مع المحور الأميركي ـ السعودي، بينما تفضّل إسرائيل مقاربة أكثر حذرًا تقدّم الأمن على أي اعتبارات سياسية.
قلق إسرائيلي
ويشير هلسة إلى أن تل أبيب تنظر بقلق بالغ إلى الخلفية الجهادية للسلطة الجديدة في دمشق.
وإلى رمزية الهتافات المؤيدة لغزة في احتفالات الجيش السوري بيوم التحرير، ما يعزز الريبة الإسرائيلية.
ونتيجة لهذا المشهد، تميل إسرائيل لخيار “لا حرب” لأسباب أمنية وسياسية، وإلى “لا سلام” بسبب غياب الثقة بالسلطة السورية الجديدة.
إدارة صراع لا حلّه
ويقول التقرير في النهاية: وهكذا يتحول خيار اللاحرب واللاسّلام إلى أداة إسرائيلية لإدارة الصراع بدل حله.
صيغة توفر هدوءًا نسبيًا على الحدود تحت المظلة الأميركية، وتمنح تل أبيب الوقت والمساحة لتكريس ترتيباتها الأمنية في الجنوب السوري.
دون تقديم أي تنازل يمسّ جوهر تفوقها العسكري والسياسي، بيما يعمل على هيمنتها المطلقة على سوريا والمنطقة بأسرها.
اقرأ أيضًا:
Share this content:















إرسال التعليق