رئيس مجلس الإدارة والمشرف العام
د/ محمد الحسيني

الدكتور أشرف بركات يكتب: المصريون القدماء .. بين عبقرية الحضارة وتزييف الرواية

31 أكتوبر 2025 6:15 م 0 تعليق
الدكتور أشرف بركات
الدكتور أشرف بركات

بقلم الدكتور: أشرف بركات

بمناسبة الحدث العظيم الذي يفتخر به المصريون والعالم أجمع، افتتاح المتحف المصري الكبير غداً السبت، أردت أن أعبر عن مشاعري العميقة تجاه أجدادي العظام .

المصريون القدماء الذين صنعوا المجد وسطروا أولى صفحات الحضارة الإنسانية على أرض مصر الخالدة حين ارتديت زي المصريين.

فلم يكن مجرد مظهر خارجي أو زينة احتفالية، بل كان تجسيدا لروح كامنة في داخلي.

تربطني بكل حجر نقش عليه اسم ملك أو قصة كفاح، وبكل رمز يحمل عبق التاريخ وخلود الهوية المصرية.

إن ما أشعر به هو مزيج من الفخر والانتماء والاعتزاز، فهؤلاء الأجداد الذين بنوا الأهرامات، وشيدوا المعابد.

ونقشوا حكمتهم على جدران المعابد، لم يكونوا مجرد ملوك أو عمالقة في البناء فحسب .. بل كانوا رواد الفكر والعلم والإيمان والعمل.

ومع افتتاح هذا الصرح العظيم غدًا السبت إن شاء الله – المتحف المصري الكبير – يعود صوت الماضي ليحدثنا من جديد، ليقول إن مصر لا تغيب عنها الشمس أبدا.

فحضارتها الممتدة منذ آلاف السنين ما زالت تنبض في قلوب أبنائها، وتدفعهم نحو مستقبل يليق بتاريخهم المجيد.

وانني إذا أستهلم هذا المجد الذي صنعه اجدادنا القدماء أشعر في نفس الوقت بغصة تملئ حلقي ملحاً من الحاقدين على حضارتنا العريقة.

من  هؤلاء المتجمدون فكرياً وعقائدياً، الذين اختزلوا الحضارة المصرية القديمة في شخص فرعون موسى عليه السلام.

أن من يتأمل تاريخ مصر القديمة بعمق وإنصاف، لا يمكنه أن يختزله في هذا الفرعون، أو في معابد وصروح حجريّة أو طقوس وثنية غابرة.

فبين جدران تلك المعابد، وتحت ظلال الأهرام، كان هناك ضميرٌ إنسانيٌّ يبحث عن الإله الواحد، ويسعى إلى فهم سرّ الخلق والخالق.

فمصر التي عرفت الحضارة قبل غيرها؛ عرفت أيضًا معنى الوحدانية قبل أن يصدح بها إخناتون، وقبل أن تخلّدها قصص الإيمان في قصر فرعون.

إنها قصة وطنٍ كان الإيمان يسكنه منذ فجر التاريخ .. وفي السطور التالية سأسرد لكم ما يأنف عن ذكره الحاقدين على تاريخنا العظيم ممن لا يمتلكون مقاومات الحضارة والتمدين.

هذه السطور النحيلة ستكشف لكم زيف ادعاءات دراويش العصر من بعض الشيوخ الذين نقلوا عن غيرهم من سكان البادية الذين اعتادوا على وصم الحضارة المصرية بالكفر.

دون أن يتدبروا آيات القرآن الكريم التي تجزم بوحدانية المصريين عبر العصور، ومن كتب التاريخ التي تثبت أن أرض مصر مهد التدين والتوحيد.

مع تعاقب القرون، جاء فرعون موسى الذي قال متجبرًا: “أنا ربكم الأعلى” .. لكن مصر كعادتها لم تخل من مؤمنين موحدين بالله.

فبين جدران القصر الذي علا فيه صوت الكفر، وجدت قلوب آمنت برب العالمين، وصدحت بالحق في وجه الطغيان.

هي زوجة فرعون موسى، وهي التي آمنت برب موسى عليه السلام، فكتمت إيمانها زمنًا، ثم جهرَت به غير آبهة ببطش زوجها.

كانت تمشط شعر ابنة فرعون، فلما وقع المشط من يدها قالت: “بسم الله.”

سألتها الفتاة: “ألكِ ربٌّ غير أبي”؟

فقالت بشجاعة: “ربي ورب أبيكِ الله”.

فغضب فرعون، وألقى أبناءها في الزيت المغلي أمام عينيها ثم ألقى بها أيضاً في النار، ونالت الشهادة .. وذكر النبي ﷺ أن ريح الجنة وجدت من رائحتها الطيبة.

هو رجل من آل فرعون، من خاصّة القصر، آمن بموسى سرًّا ثم جهر بالحق عندما همّ فرعون بقتل موسى، وقال كلمته التي خالدها القرآن الكريم:

﴿ وَقَالَ رَجُلٌ مُّؤْمِنٌ مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَن يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءَكُم بِالْبَيِّنَاتِ مِن رَّبِّكُمْ ۖ وَإِن يَكُ كَاذِبًا فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ ۖ وَإِن يَكُ صَادِقًا يُصِبْكُم بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ ۖ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ﴾. [ غافر: 28]

لقد كتب المؤرخون الثقات عن تدين المصريون القدماء ما يدحض فكر هؤلاء الدراويش ، ومن بين أهم هؤلاء:

قال هيرودوت الذي لقب بـ ( ابو التاريخ) عن المصريين أنهم “أشد الشعوب تدينا”.

كما قال الفيلسوف والمؤرخ والكاتب الأمريكي ويليام جيمس ديورانت: “لقد كان الدين في مصر فوق كل شيء .. ويمكن أن تراه في كل مجال وشكل من أشكال الحياة”.

إذا كان فرعون موسى قد كفر وقال: “أنا ربكم الأعلى”؛ فإن في بيته من قالت: “ربي الله”

وإذا كانت المعابد قد ازدحمت بالأصنام؛ فقد امتلأت القلوب بذكر الخالق الواحد.

لقد كانت مصر – منذ فجر التاريخ – ميدانًا تتصارع فيه العقيدة مع الوثنية، والنور مع الظلمة، والإيمان مع الكبر.

لكنها لم تخل يومًا من موحدين يحملون شعلة التوحيد في عصور الجهل والظلم.

وهكذا تبقى مصر في ميزان التاريخ أمةً لم يعرف ترابها إلا الإيمان، ولم تنطفئ على ضفاف نيلها شعلة التوحيد.

غير أن بعض العقول المتجمدة ما زالت تأبى أن ترى في مصر إلا وجه فرعون الجاحد، متناسية أن على هذه الأرض الطيبة ولد نبي الله موسى.

ومنها نادى ربّه بالتوحيد، ورغم قسوة المشهد وقت هروب بني إسرائيل من بطش فرعون.

فصفحات التاريخ لا تخلو من ومضات إنسانية تعبّر عن نبل المصريين، لاسيما نساء مصر اللواتي عرفن عبر العصور برقة القلب وسخاء العطاء.

فقد روت بعض المرويات أن نساء مصر، حين رأين خوف العبرانيات وارتجاف قلوبهن من أهوال الطريق إبان الهروب العظيم من الفرعون رقّ لهنّ وجدانهن، فخلعن من حليّهن وثيابهن ما يخفف عنهن مشقة الرحيل.

وذلك إيمانًا منهنّ بأن الرحمة فوق العداوة، والإنسانية أسمى من كل اختلاف.

وهكذا تجلّت مروءة المرأة المصرية حتى في لحظات الاضطراب .. لتؤكد أن الشهامة خلقٌ متأصل في أرض الكنانة، لا تمحوه تقلبات الزمان ولا تتبدل به الأحداث.

مصر التي احتضنت يوسف الصدّيق ومريم البتول وعيسى روح الله .. لا يمكن أن يختزل مجدها في صفحة ظلمٍ عابرة، وتنسى صفائح النور التي أنارت بها درب الأنبياء؟

إن مصر لم تكن يومًا دار كفرٍ كما يزعمون، بل كانت منبرًا للوحي، ومأمنًا للأنبياء، ومهدًا للإيمان الخالد.

فمن أراد أن يعرف حقيقتها، فليقرأها بعيون السماء لا بظنون الجفاء.. حفظ الله مصر أرض الأنبياء، ومهوى أفئدة المؤمنين، وملاذ التوحيد على مرّ السنين.

إنني أفتخر بانتمائي لهذه الأرض المباركة، وأجدادي الذين ألهموا العالم بعظمتهم، وأؤمن أن روح الحضارة المصرية لا تزال تسكننا جميعا.

تذكرنا دوما أن المصري الأصيل لا يهزم، وأن المجد يصنعه الإخلاص والعطاء والهوية الراسخة.

فاليوم، وأنا أعيش هذا الحدث العظيم، أقولها بكل حب واعتزاز: أنا مصري .. حفيد المصريون القدماء، وريث المجد، وسليل الحضارة.

Share this content:

إرسال التعليق

مقالات أخري