رئيس مجلس الإدارة والمشرف العام
د/ محمد الحسيني

الطريق إلى التفاوض: كيف وصلت إيران وأميركا إلى هذه اللحظة ؟

إيران وأمريكا - صورة أرشيفية
إيران وأمريكا – صورة أرشيفية

أ ش أ

تعقد اليوم السبت في سلطنة عمان محادثات بين إيران والولايات المتحدة في محاولة لإحياء المفاوضات المتوقفة بشأن برنامج طهران النووي المتسارع.

غير أن الطرفين يختلفان حتى قبل بدء المحادثات حول صيغتها وآليتها.

فبينما يصرّ الرئيس الأميركي دونالد ترامب على أن تكون المفاوضات مباشرة، قال وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي إن بلاده ستجري محادثات غير مباشرة عبر وسيط مع المبعوث الأميركي إلى الشرق الأوسط ستيف ويتكوف.

ورغم أن هذا التباين قد يبدو شكلياً، فإنه يحمل دلالات عميقة. فالمحادثات غير المباشرة لم تسفر عن أي تقدم منذ انسحاب ترامب، في ولايته الأولى، من الاتفاق النووي الإيراني بعد ثلاث سنوات من توقيعه في 2015.

ومنذ ذلك الحين، فرض ترامب عقوبات جديدة كجزء من استراتيجية «الضغوط القصوى» ضد إيران.

مؤكداً أن الخيار العسكري لا يزال مطروحاً، على الرغم من إشاراته المستمرة على إمكانية التوصل إلى اتفاق جديد.

وقد بعث برسالة إلى المرشد الإيراني، علي خامنئي (85 عاماً)، بهذا الخصوص، في المقابل، حذَّر خامنئي من أن أي هجوم على دولة إيران سيقابل برد مماثل.

فيما يلي أبرز ما يجب معرفته عن هذه الرسالة، والبرنامج النووي الإيراني، والتوترات المستمرة بين طهران وواشنطن منذ الثورة عام 1979:

وجَّه ترامب رسالته إلى خامنئي في 5 مارس (آذار)، ثم أعلن عنها في مقابلة تلفزيونية في اليوم التالي، قائلاً:

«كتبت لهم رسالة أقول فيها: آمل أن تفكروا في التفاوض، لأنه إذا اضطررنا إلى اللجوء إلى العمل العسكري، فسيكون الأمر كارثياً».

منذ عودته إلى البيت الأبيض، يسعى ترامب لدفع عجلة المفاوضات قدماً، مع تشديد العقوبات.

ملوّحاً بأن إسرائيل أو الولايات المتحدة قد تستهدفان المنشآت النووية الإيرانية.

وكانت رسالة مماثلة بعث بها خلال ولايته الأولى قد أثارت رداً غاضباً من خامنئي.

ومع ذلك، فإن رسائل ترامب السابقة إلى الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون أسفرت عن لقاءات مباشرة.

رغم فشلها في التوصل إلى اتفاق بشأن الأسلحة النووية والصواريخ الباليستية الكورية القادرة على استهداف الأراضي الأميركية.

رفض الرئيس الإيراني، مسعود بزشكيان، عقد مفاوضات مباشرة مع واشنطن، وقال في اجتماع لمجلس الوزراء:

«نحن لا نتهرب من الحوار، لكن التجارب السابقة علمتنا أن الوعود الفارغة كانت مصدر الأزمات. على الطرف الآخر أن يظهر جديته في بناء الثقة.»

وبدا أن خامنئي رد على تصريحات ترامب بتصعيد لهجته، قائلاً:

«يهددون بإشعال الفوضى، لكننا لا نرى احتمالاً كبيراً لحدوث عدوان خارجي. وإن حدث، فستكون هناك ضربة انتقامية قاسية دون شك.»

من جانبه، صعّد المتحدث باسم الخارجية الإيرانية، إسماعيل بقائي، لهجته على منصة «إكس»، وكتب:

«التهديد العلني بالقصف من رئيس دولة تجاه إيران يعدّ انتهاكاً فاضحاً لمبادئ السلم والأمن الدوليين.

العنف يولّد العنف، والسلام يولّد السلام. الكرة في ملعب الولايات المتحدة لتحسم المسار… وتتحمل العواقب».

وفي تصعيد إعلامي، نقلت صحيفة «طهران تايمز» التابعة لمكتب خامنئي – من دون ذكر مصادر – أن إيران «جهزت صواريخ قادرة على ضرب أهداف أميركية».

يأتي ذلك بالتزامن مع نشر الولايات المتحدة لقاذفات «بي-2 سبيريت» الشبحية في جزيرة دييغو غارسيا.

ضمن نطاق استهداف إيران والحوثيين المدعومين من طهران في اليمن، الذين تكثف أميركا غاراتها عليهم منذ 15 مارس.

رغم تأكيد طهران المتواصل على أن برنامجها النووي مخصص للأغراض السلمية، فإن تصريحات بعض مسؤوليها باتت تلمّح إلى إمكانية السعي لامتلاك سلاح نووي.

تقوم إيران حالياً بتخصيب اليورانيوم حتى نسبة 60 %، وهي نسبة تقترب من درجة نقاء تصنيع الأسلحة، ولا تقوم بها أي دولة أخرى لا تمتلك برنامجاً نووياً عسكرياً.

بموجب الاتفاق النووي لعام 2015، كان يسمح لإيران بتخصيب اليورانيوم بنسبة لا تتجاوز 3.67 %، وبمخزون لا يتجاوز 300 كيلوغرام.

لكن أحدث تقارير الوكالة الدولية للطاقة الذرية تشير إلى أن إيران تملك الآن مخزوناً يقدّر بـ8294.4 كيلوغرام، بعضه مخصب حتى 60 %.

وتقدّر أجهزة الاستخبارات الأميركية أن إيران لم تبدأ بعد تطوير سلاح نووي، لكنها «أجرت أنشطة تمهّد الطريق لذلك في حال قررت المضي فيه».

وفي مقابلة تلفزيونية، قال علي لاريجاني، مستشار المرشد الإيراني، إن إيران تملك القدرة على تصنيع قنبلة نووية، لكنها لا تسعى لذلك، ولا تعارض عمليات التفتيش الدولية.

لكنه حذر من أنه في حال تعرّضت بلاده لهجوم من الولايات المتحدة أو إسرائيل، فقد لا يكون هناك خيار سوى تطوير سلاح نووي.

كانت إيران، في عهد الشاه محمد رضا بهلوي، حليفاً استراتيجياً للولايات المتحدة.

حيث اشترى الأسلحة الأميركية وسمح لوكالة الاستخبارات المركزية بإقامة محطات تنصت سرية لمراقبة الاتحاد السوفيتي.

وفي عام 1953، شاركت الـ«سي آي إيه» في انقلاب أطاح برئيس الوزراء المنتخب وعزز من سلطة الشاه.

لكن في يناير (كانون الثاني) 1979، فر الشاه من البلاد وسط احتجاجات شعبية ضخمة، وأسفرت الثورة بقيادة الخميني عن قيام نظام ديني جديد.

وفي نوفمبر (تشرين الثاني) من العام نفسه، اقتحم طلاب السفارة الأميركية في طهران واحتجزوا دبلوماسيين كرهائن لمدة 444 يوماً، مما أدى إلى قطع العلاقات الدبلوماسية بين البلدين.

وخلال حرب الثمانينيات بين إيران والعراق، تفاقمت الأزمة بين الولايات المتحدة وإيران بعد «حرب الناقلات».

حيث قصفت البحرية الأميركية أهدافاً إيرانية، وأسقطت عن طريق الخطأ طائرة مدنية إيرانية كانت تقل 290 راكباً.

منذ ذلك الحين، تتأرجح العلاقات بين عداء حاد وفرص دبلوماسية نادرة، أبرزها توقيع الاتفاق النووي عام 2015.

غير أن انسحاب ترامب منه بشكل أحادي فجّر موجة جديدة من التوترات التي لا تزال تلقي بظلالها على الشرق الأوسط حتى اليوم.

وأمر ترامب في أبريل (نيسان) 2019، بتصنيف «الحرس الثوري» على قائمة المنظمات الإرهابية العالمية. وزادت التوترات البحرية في المنطقة.

وطالب المرشد الإيراني علي خامنئي بطرد القوات الأميركية في المنطقة.

وتعهد مسؤول العمليات الخارجية في «الحرس الثوري» قاسم سليماني حينها بخوض حرب غير متكافئة، ضد الولايات المتحدة، دون تدخل مباشر من القوات المسلحة الإيرانية.

وأمر ترامب في مطلع 2020 بتوجيه ضربة جوية قضت على سليماني ومرافقيه في بغداد.

وشن «الحرس الثوري» هجوماً بالصواريخ باليستية على القوات الأميركية في قاعدة «عين الأسد» وأوقعت جرحى.

Share this content:

إرسال التعليق

مقالات أخري