رئيس مجلس الإدارة والمشرف العام
د/ محمد الحسيني

المسحراتي عادة مصرية خالصة .. وفانوس رمضان هل كان أصله فرعوني ؟

28 فبراير 2025 8:18 م 0 تعليق
المسحراتي وفانوس رمضان
المسحراتي وفانوس رمضان

تحقيق: أحمد السيد

يرتبط مهنة المسحراتي وفانوس رمضان بشهر رمضان ارتباطًا وثيقًا، ويعود إلى قرون طويلة من الزمن، حيث يحمل كل منهما رمزية خاصة مرتبطة بالعادات والتقاليد التي نشأت مع قدوم الشهر الكريم.

فانوس رمضان، الذي يعتبر من أبرز رموز الاحتفال بالشهر الفضيل، يعود تاريخه إلى العصر الفاطمي في مصر، عندما كان يستخدم لإضاءة الطرقات أثناء خروج الخليفة لاستطلاع هلال رمضان. ومع مرور الزمن، تحول الفانوس إلى رمز احتفالي يزين البيوت والشوارع، ويضفي أجواءً مبهجة تعبر عن فرحة استقبال الشهر الكريم.

أما المسحراتي، فهو شخصية تراثية ارتبطت بمهمة إيقاظ الناس لتناول وجبة السحور قبل الفجر. وقد بدأ هذا التقليد منذ العصر الإسلامي الأول، حيث كان المسحراتي يجوب الشوارع ليلًا وهو ينادي بأسماء السكان أو يردد أهازيج دينية، مستخدمًا الطبل كوسيلة لإيقاظهم. ومع تطور الزمن، أصبح المسحراتي جزءًا من التراث الشعبي الذي يعكس روح رمضان وعبقه الخاص.

بالتالي، يمثل كل من الفانوس والمسحراتي جزءًا لا يتجزأ من الموروث الثقافي والاجتماعي لشهر رمضان، مما يجعلهما علامتين مميزتين يحتفي بهما المسلمون في مصر والدول العربية والإسلامية.

استطلعنا آراء بعض الخبراء في الآثار الإسلامية، فيقول في البداية الدكتور أحمد بدوي الباحث في الآثار الاسلامية : يعتبر الفانوس أحد أبرز رموز الاحتفال بشهر رمضان الكريم، وقد ارتبط بوجدان المصريين ارتباطًا وثيقًا على مر العصور.

وتشير بعض الروايات التاريخية إلى أن أصل الفانوس يعود إلى العصور المصرية القديمة، حيث كان يستخدم في عيد المصابيح لتزيين المنازل والمعابد، وتحديدًا معبد الإله أوزيريس في مدينة صا الحجر، التي كانت عاصمة مصر في العصر الصاوي.

أما عن ارتباطه بشهر رمضان، فقال: بدأ ذلك في عام 362 هـ (972 م)، عندما استقبل المصريون الخليفة المعز لدين الله الفاطمي عند وصوله إلى القاهرة بالفوانيس وهتافات الترحيب.

منذ ذلك الحين، أصبح الفانوس رمزًا للاحتفال بالشهر الفضيل، واستخدم أيضًا في أغراض عملية مثل إضاءة الطرق أثناء الذهاب إلى المساجد أو زيارة الأصدقاء والأقارب ليلًا.

الفانوس اليوم ليس مجرد وسيلة للإضاءة، بل هو أيقونة ثقافية تحمل في طياتها عبق التاريخ وبهجة الاحتفالات الرمضانية، مما يجعله جزءًا لا يتجزأ من تقاليد هذا الشهر الكريم.

أما عن المسحراتي، فقال: هو رمز من رموز شهر رمضان المبارك، حيث يرتبط وجوده بطقوس الشهر الفضيل التي تحمل طابعًا تراثيًا خاصًا.

يعود أصل هذه المهنة إلى بدايات الإسلام، حيث كان بلال بن رباح، مؤذن الرسول صلى الله عليه وسلم، أول من قام بها، إذ كان يوقظ المسلمين لتناول السحور وأداء صلاة الفجر دون أي مقابل مادي، ابتغاءً لوجه الله تعالى.

ويواصل: مع مرور الزمن، أصبحت مهنة المسحراتي تقليدًا متوارثًا بين الأجيال، حيث يطوف المسحراتي في الشوارع ليلاً، منشداً بأغانٍ جميلة ومرددًا عبارات تنبيهية لتذكير الناس بموعد السحور.

في الماضي، كان الأطفال يشاركون المسحراتي فرحته، حاملين الفوانيس لإضاءة الطريق له، في مشهد يجسد روح الشهر الكريم.

لكن للأسف، ومع تطور وسائل التنبيه الحديثة مثل المنبهات والهواتف المحمولة، بدأت هذه المهنة في الانحسار تدريجيًا.

كما أن البعض قد ينظر إليها اليوم كنوع من التسول، مما ساهم في تقليل انتشارها.

ومع أنها كانت مهنة تطوعية في بداياتها، إلا أن المسحراتي في العصر الحالي قد يتقاضى أجرًا بسيطًا على شكل هدايا عينية أو أموال رمزية.

ومع ذلك، يبدو أن هذه المهنة التراثية تواجه خطر الانقراض خلال السنوات القادمة، مما سيترك فراغًا في الأجواء الرمضانية التي اعتدنا عليها.

ويقول الدكتور عمر الألفي الباحث في شئون الآثار الإسلامية: تاريخ الفانوس في الثقافة المصرية يعود إلى العصر الفاطمي، حيث ظهر كوسيلة للإضاءة ومن ثم تطور ليصبح جزءًا من الفلكلور الشعبي المرتبط بشهر رمضان.

وأصل كلمة “فانوس” يعود إلى اللغة الإغريقية، وتعني وسيلة للإضاءة. أما جملة “وحوي يا وحوي” فهي ذات أصل فرعوني، وكانت تقال مدحًا للقمر، وأصبحت مرتبطة بهلال رمضان منذ العصر الفاطمي.

ويواصل الألفي: في البداية، كان الفانوس يستخدم لتنبيه الرجال بوجود النساء في الطريق أثناء خروجهن في رمضان، حيث كان يسبقهن غلام يحمل فانوسًا.

ومع مرور الوقت، أصبح الفانوس رمزًا شعبيًا يحتفل به الأطفال في الشوارع، حاملين الفوانيس ومرددين الأغاني الرمضانية.

وقال: صناعة الفوانيس تطورت عبر العصور، حيث بدأت بصناعة الفوانيس من الصفيح والنحاس، ثم أضيفت إليها الزخارف والزجاج الملون.

ومع الوقت، تغيرت وسائل الإضاءة من الشموع إلى الفتيل والزيت، ثم المصابيح الكهربائية.

ومع ظهور المنتجات الصينية، دخلت الأسواق فوانيس بأشكال مبتكرة تشبه الألعاب وتصدر أصواتًا وأغاني رمضانية، مما أضاف المزيد من البهجة للأطفال خلال الشهر الكريم.

وعن مهنة المسحراتي قال الألفي: تعد من أبرز مظاهر شهر رمضان الكريم، حيث كان المسحراتي يجوب الشوارع والأزقة ليلاً بصوته العذب، مناديًا الناس لتناول وجبة السحور قبل أذان الفجر.

هذه المهنة التي تحمل عبق التاريخ مرتبطة بشهر رمضان، وكانت تحمل في طياتها البهجة والروحانية، إذ كان المسحراتي ينشد الأناشيد الدينية ويروي القصص النبوية بطريقة تطرب لها الآذان.

والمسحراتي، الذي اشتق اسمه من كلمة “السحور”، كان يختار بعناية وفقًا لمجموعة من الشروط، منها حسن الصوت والقدرة على الإنشاد والالتزام بالمواعيد، إلى جانب تمتعه بسمعة طيبة بين أهل الحي أو القرية.

وقد كانت هذه المهنة تحظى باحترام كبير لما لها من أثر إيجابي في حياة الناس خلال الشهر الفضيل.

وأكد الألفي أن أول من نادى بالسحور في مصر كان الوالي عنبسة بن إسحاق في القرن الثالث الهجري، حيث كان يسير على قدميه من مدينة العسكر إلى جامع عمرو بن العاص، مناديًا الناس للاستيقاظ للسحور.

ومنذ ذلك الحين، أصبحت مهنة المسحراتي جزءًا لا يتجزأ من تقاليد شهر رمضان في مصر.

ويقول محمد جمال الباحث في الآثار الإسلامية: الفانوس  يعدا رمزًا مميزًا للشهر الفضيل، ويحمل قصصًا متنوعة عن نشأته، منها ما يعود إلى استقبال الخليفة الفاطمي المعز لدين الله، ومنها ما يرتبط بتقاليد أقباط مصر.

ويواصل الباحث الإسلامي: أما المسحراتي، فهو شخصية محورية في ليالي رمضان، تطورت مهنته عبر الزمن لتشمل استخدام الطبل والأناشيد الدينية.

ويعتبر عنبسة بن إسحاق أول من مارس هذه المهنة بشكلها المعروف اليوم، حيث كان يوقظ الناس للسحور في شوارع القاهرة.

وكان المسحراتي يعتمد على ذاكرته القوية وصوته العذب لنداء أسماء أهل الحي، ولم يكن يتقاضى أجرًا خلال الشهر، بل ينتظر الهدايا والمال في أول أيام العيد.

وتظهر هذه التفاصيل مدى ارتباط هذه التقاليد بالهوية الثقافية والاجتماعية للمجتمع المصري، وكيف استمرت عبر العصور لتصبح جزءًا لا يتجزأ من الاحتفال بشهر رمضان المبارك.

وفي النهاية يقول: للأسف اختفت مهنه المسحراتي، وانحسرت في بعض الأماكن في الدول العربية ومنها دبي عاصمة دولة الإمارات العربية المتحدة ويستغلون ظهور المسحراتي في تنشيط السياحة.

أما في مصر توجد بعض المناطق فقط التي تداوم على تواجد المسحراتي، وفي بعض القرى النائية .

ويقول أحمد خليفة الباحث في الفلكلور الإسلامي، الفانوس والمسحراتي هما من أبرز الرموز التراثية المرتبطة بشهر رمضان في مصر، حيث يتمتعان بجذور تاريخية عميقة وقصص متعددة حول نشأتهما.

ويقال إن الفانوس بدأ مع الخليفة المعز لدين الله الفاطمي، الذي أمر بإضاءة شوارع القاهرة بالفوانيس خلال ليالي رمضان، وهناك رواية أخرى تشير إلى أن الأطفال كانوا يرافقون الخليفة وهو يستطلع هلال رمضان حاملين الفوانيس ومغنين أغاني تعبيراً عن فرحتهم.

أما المسحراتي، فهو شخصية تراثية ارتبطت بمهمة إيقاظ المسلمين لتناول السحور قبل أذان الفجر.

وقد ظهرت هذه المهنة منذ عهد المماليك، حيث كان الظاهر بيبرس يسندها إلى الدارسين للعلوم الدينية، ثم تطورت لاحقاً لتصبح مهنة يقوم بها أفراد مخصصون يحملون الطبول أو المزامير.

مع ذلك، مهنة المسحراتي أصبحت مهددة بالاندثار نتيجة التطور التكنولوجي وتغير أنماط الحياة، حيث أصبح الناس يعتمدون على وسائل التنبيه الحديثة كالموبايلات والمنبهات.

كما أن السهر أمام التلفزيون حتى ساعات الصباح قلل من الحاجة إلى المسحراتي، مما جعل هذه المهنة جزءاً من ذكريات الماضي إلا في بعض المناطق القليلة.

Share this content:

إرسال التعليق

مقالات أخري