
كتب: باسم حسن
قناة بنما، تثير الجدل مرة أخرى بين الولايات المتحدة الامريكية ودولة بنما، وتصريح مثير للجدل للرئيس الأمريكي دونالد ترامب بشأن القناة، يجعل الأمر بالمنطقة صعب للغاية.
فقد أعرب ترامب، عن استيائه من نقل السيطرة على القناة إلى بنما، عام 1999، وأشار إلى أن الصين الآن تسيطر عليها بطريقة غير مباشرة.
كما أبدى ترامب استعداده، لاتخاذ خطوات لاستعادة السيطرة على القناة، بما في ذلك عدم استبعاد الخيار العسكري.
هذا التصريح يعكس موقفاً واضحاً من الرئيس الأمريكي، تجاه الاتفاقيات السابقة، التي يعتبرها غير عادلة للولايات المتحدة.
مع التركيز على الرسوم المرتفعة المفروضة على السفن الأمريكية، كما يبرز قلقه من النفوذ الصيني المتزايد في القناة، ما يراه تهديداً للمصالح الأمريكية.
ولهذا، هناك استمرار في تصريحات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، والمتعلقة بقناة بنما، ورد الرئيس البنمي خوسيه راؤول مولينو، على التصريحات.
قناة بنما تُعتبر رمزاً للسيادة البنمية
حيث أكد مولينو كوينتيرو الرئيس البنمي أن قناة بنما، مملوكة بالكامل للشعب البنمي وأنها ستظل كذلك.
مشيراً إلى أن الرسوم المفروضة على استخدام القناة، تم تقييمها بعناية وشفافية لدعم صيانتها وتوسعتها، كما حدث في عام 2016.
وأوضح أن سيادة واستقلال بنما غير قابلين للتفاوض، نافياً أي تأثير مباشر أو غير مباشر للصين على القناة.
من جهة أخرى، أشار ترامب إلى ما وصفه بـ”الكرم الأمريكي”، مذكّراً بأن الولايات المتحدة أنفقت حوالي 400 مليون دولار منذ عام 1902 لحفر القناة، التي يبلغ طولها 82 كيلومتراً، والتي تربط بين المحيط الأطلسي والمحيط الهادئ.
كما تحدث عن الجهود الكبيرة التي بذلها 40 ألف عامل من 50 دولة، رغم وفاة حوالي 20 ألفاً منهم بسبب الأمراض الاستوائية، مثل الملاريا والحمى الصفراء أثناء عملية الحفر.
أمريكا تخشى النفوذ الصيني
الولايات المتحدة تخشى من النفوذ الصيني، في قناة بنما وتأثيره على الأمن القومي الأمريكي.
مع تساؤلات حول ردود الفعل الممكنة، من قبل إدارة ترامب والشعب البنمي.
في ظل هذا السياق، يمكن القول إن النفوذ الصيني المتزايد في بنما، يثير قلق واشنطن.
نظرًا لأهمية القناة الاستراتيجية في التجارة العالمية، وحركة السفن العسكرية الأمريكية.
من جهة أخرى، فإن أي محاولة لاستعادة السيطرة على القناة بالقوة العسكرية، قد تواجه تحديات كبيرة، ليس فقط على المستوى الدولي.
ولكن أيضًا من قبل الشعب البنمي، الذي قد يعتبر ذلك انتهاكًا لسيادته، وسيادة قراره.
والخيارات المتاحة أمام واشنطن، قد تكون دبلوماسية واقتصادية أكثر منها عسكرية.
خاصة في ظل التوازنات الدولية الحالية، والنفوذ الصيني المتنامي في مناطق متعددة من العالم.
قناة بنما وصراع منذ القدم
تاريخ قناة بنما يعود إلى القرن السادس عشر، عندما ظهرت فكرة الربط بين المحيط الأطلسي والمحيط الهادئ لأول مرة.
كان الإسبان هم أول من فكر في هذا المشروع الطموح، حيث لاحظ البحار الإسباني فاسكو نونييث دي بالبوا عام 1513 ،وجود مساحة ضيقة من اليابسة تفصل بين المحيطين.
هذه الفكرة جاءت، في إطار رغبة إسبانيا في تحقيق التفوق العسكري والاقتصادي على البرتغاليين، خاصة في أمريكا الجنوبية.
طلب الملك شارلكان، دراسة إمكانية إنشاء مسار بحري، يختصر الرحلة الطويلة والمكلفة حول جنوب القارة الأمريكية.
لكن التحديات الفنية والهندسية في ذلك الوقت، مثل اختلاف منسوب المياه بين المحيطين، جعلت تنفيذ المشروع مستحيلاً.
ومع ذلك، ظل هذا الحلم قائماً، حتى تم تحقيقه بعد قرون بإنشاء قناة بنما، التي أصبحت واحدة من أعظم الإنجازات الهندسية في العالم.
جدل أمريكي قديم حول قناة بنما
قناة بنما تُعتبر واحدة من أهم الإنجازات الهندسية في التاريخ الحديث، حيث نجحت الولايات المتحدة في حفرها بعد فشل المحاولات الفرنسية بقيادة المهندس فردناند ديلسبس.
بدأت عملية الحفر الأمريكية عام 1902، واكتملت في عام 1914، مما أحدث ثورة في حركة التجارة العالمية.
وذلك من خلال، تقليل المسافات بين السواحل الشرقية والغربية، للولايات المتحدة وأمريكا الجنوبية.
القناة تربط بين المحيط الأطلسي والمحيط الهادئ، مما قلل المسافة بينهما بنحو 13 ألف كيلومتر مقارنة بالدوران حول رأس كيب هورن في جنوب أمريكا الجنوبية.
هذا المشروع الضخم لم يكن مجرد إنجاز هندسي، بل كان له تأثير كبير على التجارة العالمية.
حيث يمر عبر القناة نحو 14 ألف سفينة سنوياً، بمعدل 70 ألف حاوية أسبوعياً، مما يمثل حوالي 5% من حجم التجارة الدولية.
القناة أصبحت شرياناً حيوياً يربط بين 160 دولة، و1700 ميناء حول العالم، مما يعكس أهميتها الاستراتيجية والاقتصادية.
اتفاقية توريخوس – كارتر التي تم توقيعها في 7 سبتمبر 1977 ، كانت نقطة تحول في تاريخ العلاقات بين الولايات المتحدة وبنما.
اتفاقيات ثنائية حول قناة بنما
تضمنت الاتفاقيتان بنوداً رئيسية، حيث نصت الأولى على الحياد الدائم لقناة بنما، مما يمنح الولايات المتحدة الحق في التدخل لضمان بقاء القناة مفتوحة وآمنة.
أما الاتفاقية الثانية، فقد حددت موعد تسليم القناة إلى بنما، في 31 ديسمبر عام 1999.
رغم المعارضة الشديدة من الجمهوريين آنذاك، بقيادة الرئيس الأسبق رونالد ريجان، الذي اعتبر أن التخلي عن القناة كان خطأً استراتيجياً.
إلا أن الرئيس جيمي كارتر أصر على تنفيذ الاتفاقيات، وقد أثبت التاريخ لاحقاً أن هذا القرار كان محل جدل واسع.
حيث أظهرت استطلاعات الرأي في عام 1977 ، أن نصف الأمريكيين يعارضون التنازل عن القناة.
ومع ذلك، تغيرت وجهة النظر العامة، بحلول عام 1999، حيث أصبح الرأي العام الأمريكي مؤيداً لقرار كارتر.
الاتفاقيتان ظلتا ساريتين، حتى بعد التدخل العسكري الأمريكي في بنما عام 1989 لإزاحة مانويل نورييجا.
وقد لعبت هذه الاتفاقيات دوراً محورياً، في ضمان استمرارية تشغيل القناة بسلاسة حتى اليوم، مع حفاظ الولايات المتحدة على حقها في حماية القناة، إذا تعرضت لأي خطر.
تتمحور المخاوف الأمريكية من النشاط الصيني في قناة بنما، حول عدة عوامل استراتيجية وأمنية واقتصادية.
تعتبر قناة بنما نقطة حيوية للتجارة العالمية، وأي نفوذ صيني هناك قد يؤثر على حركة التجارة، التي تعتمد عليها الولايات المتحدة بشكل كبير.
القلق من أن الصين، قد تستخدم وجودها لتعزيز قدراتها العسكرية أو الاستخباراتية، في منطقة تعتبرها واشنطن جزءاً من نطاق نفوذها التقليدي.
يخشى الأمريكيون أن يؤدي النفوذ الصيني، إلى تقليص الدور الأمريكي في أمريكا اللاتينية، مما يضعف هيمنتها في المنطقة، ويعزز مكانة الصين كقوة عالمية منافسة.
ويقوم القلق الأمريكي من النشاط الصيني في قناة بنما، على مجموعة من المخاوف، وهي:
أولاً: مراقبة النشاط العسكري الأمريكي
قلق متزايد من الرئيس ترامب من النفوذ الصيني في قناة بنما، حيث تدير شركات صينية الميناءين الرئيسيين على طرفي القناة، مما يمنحها القدرة على التجسس على السفن الأمريكية.
اتفاقيات بنما مع الصين في عام 2017 ، التي تضمنت مشاريع مثل بناء الجسر الرابع فوق القناة، يعزز دور القناة، كمركز لتوزيع المنتجات الصينية في أمريكا اللاتينية.
ثانيًا: الاستخدام المزدوج
حذرت الجنرال لورا ريتشاردسون، القائدة السابقة للقيادة الجنوبية للجيش الأمريكي، من أن الصين تستغل المنشآت الموجودة في قناة بنما لأغراض مزدوجة.
وأشارت إلى أن أحد الأهداف الرئيسية للصين، هو تحديد مواقع الغواصات النووية الأمريكية، من خلال قياسات ورصد قاع المحيط.
وذكرت أن سفن الأبحاث العلمية الصينية الموجودة في بنما، تقوم بعمليات تجسس لتحقيق هذا الهدف.
ثالثًا: تناغم الأنشطة الصينية
تُظهر واشنطن قلقاً متزايداً، من الأنشطة الصينية في منطقة أمريكا اللاتينية والبحر الكاريبي.
ومن بين هذه الأنشطة، يبرز بناء الصين لمحطة رصد فضائي، في جنوب الأرجنتين.
المحطة تتميز بموقعاً استراتيجياً، بسبب مرور مسار غالبية الأقمار الصناعية ذات المدار المنخفض فوقها.
هذه المحطة، المجهزة بهوائيات ضخمة، تمنح الصين قدرة على مراقبة حركة الملاحة في مضيق ماجلان، المحطة تعتبر بديلاً استراتيجياً لقناة بنما، إلى جانب الطريق عبر القطب الشمالي.
رابعًا: الحديقة الخلفية لواشنطن
تُظهر الصين حضوراً قوياً ومتزايدا، في بنما وأمريكا اللاتينية عموماً، حيث تسعى لتعزيز نفوذها التجاري والاقتصادي عبر مبادرة الحزام والطريق.
وقد أصبحت الصين الشريك التجاري الأكبر لدول أمريكا الجنوبية، مما يعكس تحولاً استراتيجياً في العلاقات الاقتصادية الدولية.
على سبيل المثال، افتتح الرئيس الصيني شي جين بينغ مؤخراً أكبر ميناء تنفذه الصين في بيرو، مما يعزز الربط بين أمريكا الجنوبية والموانئ الصينية.
هذا المشروع ليس حالة فردية، فالصين تدير حوالي 40 ميناءً ضخماً بالمنطقة، ما يمنحها تأثيراً كبيراً على التجارة والبنية التحتية.
خامساً: السيطرة على الاتصالات
تُعبر واشنطن عن قلقها من احتمالية هيمنة شركة هواوي الصينية على شبكات الاتصالات في بنما وأمريكا الجنوبية، بما في ذلك شبكات الإنترنت من الجيل الخامس.
هذا التخوف، ينبع من إمكانية استخدام هذه الشبكات كوسيلة للتنصت على الأنشطة الأمريكية المدنية والعسكرية، في تعاونها مع دول أمريكا اللاتينية.
3 سيناريوهات للتعامل مع الأزمة:
وفي ظل هذه المخاوف الأمريكية، والرفض البنمي لاتهامات الرئيس ترامب، تبدو في الأفق 3 سيناريوهات رئيسية هي:
الأول: العمل العسكري
تُعتبر قناة بنما من النقاط الجيوسياسية الحساسة ن التي شهدت تدخلات أمريكية متكررة على مدار التاريخ.
تستند الولايات المتحدة في بعض مواقفها، إلى اتفاقية الحياد الدائم لعام 1977، التي وُقّعت مع بنما.
والتي يرى البعض أنها تمنح واشنطن حق التدخل العسكري، لضمان استمرار عمل القناة كممر مائي دولي.
ومع ذلك، فإن هذا التفسير يثير جدلاً قانونياً وسياسياً، حيث يرى آخرون أن الاتفاقية لا تعطي الحق في استعادة القناة، بل تقتصر على ضمان حيادها.
التاريخ يُظهر أن، الولايات المتحدة استخدمت القوة العسكرية مرتين في بنما: الأولى في عام 1989 للإطاحة بالجنرال مانويل نورييجا.
والثانية في بداية القرن العشرين، عندما دعمت استقلال بنما عن كولومبيا، لتأمين بناء القناة.
هذا التدخل الأمريكي المبكر، شمل وضع دستور جديد لبنما، يمنح الجيش الأمريكي صلاحيات واسعة.
لكن في الوقت الحالي، يبدو أن الظروف الدولية والقانونية، قد تغيرت بشكل كبير.
مما يجعل من الصعب تبرير أي تدخل عسكري جديد، استناداً إلى اتفاقية قديمة أو سياقات تاريخية مختلفة.
الثاني: العقوبات الاقتصادية
تشكل السفن الأمريكية التجارية والحربية، التي تمر في قناة بنما نحو 72% من إجمالي حركة النقل في القناة.
ولهذا هناك من اقترح على الرئيس ترامب، أن يبدأ بفرض عقوبات اقتصادية كبيرة على بنما، لإلغاء اتفاقياتها مع الشركات الصينية حول الموانئ.
ووقتها يمكن للولايات المتحدة أن تدير العمل على طرفي القناة، الشرقي والغربي، بدلاً من الشركات الصينية التي مقرها هونج كونج.
الثالث: تغيير الاتفاقيات
والمقصود بها هنا ، الاتفاقيتان اللتان وقعهما الرئيس جيمي كاتر، بحيث تحصل واشنطن على مزايا حصريه لا تمنح للصين،وذلك كبديل عن العمل العسكري، أو استخدام القوة لاستعادة القناة.
الواضح أن تعامل ترامب، سوف يختلف كثيراً عن طريقة وأسلوب إدارة بايدن، سواء في القضايا الاقتصادية أو الجيو- سياسية.
وهو ما يقول إننا أمام 4 سنوات فاصلة، ليس فقط في التاريخ الأمريكي، بل في مستقبل العالم.
نقلًا عن الحليج
Share this content:
إرسال التعليق