
كتب: طه عبد السميع
ما حُكم من فاتته صلاة الجمعة بسبب النوم؟ .. هذا سؤال يسأله البعض لما للصلاة من أهمية خاصة عند المسلمين.
فيقول سائل: نمت ليلة الجمعة متعبًا بسبب عملي فلم أستيقظ إلَّا بعد صلاة الجمعة؛ فهل يقع عليَّ إثم في هذه الحالة؟ وما الواجب عليَّ حينئذٍ؟
وتقول دار الإفتاء المصرية:
حكم صلاة الجمعة
صلاة الجمعة شعيرة من شعائر الإسلام، أوجب الشرع السعي إليها والاجتماع فيها والاحتشاد لها؛ توخِّيًا لمعنى الترابط والائتلاف بين المسلمين.
افترضها الله تعالى جماعةً؛ بحيث لا تصح مِن المكلَّف وحدَه منفرِدًا؛ فقال تعالى:
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا ….. ﴾ [الجمعة].
وهو ما دلت عليه السنة النبوية المشرفة؛ فعن أم المؤمنين حفصة رضي الله عنها، أنَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «رَوَاح الْجمعَةِ وَاجِبٌ عَلَى كلِّ محْتَلِمٍ» رواه النسائي في “سننه”.
وعن طارق بن شهاب رضي الله عنه أنَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «الْجمعَة حَقٌّ وَاجِبٌ عَلَى كلِّ مسْلِمٍ فِي جَمَاعَةٍ إِلَّا أَرْبَعَةٌ: عَبْدٌ مَمْلوكٌ، أَوِ امْرَأَةٌ، أَوْ صَبِيٌّ، أَوْ مَرِيضٌ» رواه أبو داود في “سننه”، والحاكم في “مستدركه”، وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين.
التحذير من ترك صلاه الجمعة
كما شدَّد الشرع الشريف على مَنْ تخلَّف عن أدائها ممَّن وجبت عليه، فعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال:
«مَنْ كَانَ يؤْمِن بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَعَلَيْهِ الْجمعَة يَوْمَ الْجمعَةِ إِلَّا مَرِيضٌ أَوْ مسَافِرٌ أَوِ امْرَأَةٌ أَوْ صَبِيّ أَوْ مَمْلوكٌ، فَمَنِ اسْتَغْنَى بِلَهْوٍ أَوْ تِجَارَةٍ اسْتَغْنَى اللَّه عَنْه، وَاللَّه غَنِيّ حمَيْدٌ» رواه الدارقطني والبيهقي في “سننيهما”.
حكم ترك صلاة الجمعة بسبب النوم
من الأعذار المبيحة التي ترفع المؤاخذة على ترك صلاة الجمعة: غلبة النوم؛ الذي يعجَز عن دفعه، على ما ذهب إليه الشافعية والحنابلة.
قال العلامة ابن حجر الهيتمي الشافعي في “تحفة المحتاج” (2 / 276، ط. المكتبة التجارية الكبرى): [ومن أعذارِها أيضًا: نحو زلزلةٍ وغلبة نعَاسٍ] اهـ.
وقال العلامة الشبراملسي في “حاشيته على نهاية المحتاج” (1/ 372، ط. دار الفكر): «ولا يكره النوم قبل دخول الوقت. رملي. وهو شامل للعشاء، فلا يكره النوم قبل دخول وقتها، وشامل للجمعة أيضًا، فلا يكره النوم قبله، وإن خاف فوت الجمعة؛ لأنه ليس مخاطبًا بها قبل دخول الوقت] اهـ.
وقال العلامة الحضرمي الشافعي في “شرح المقدمة الحضرمية” (ص: 332، ط. دار المنهاج): [وفي الجمعة فلا رخصة في تركها تمنع الإثم، أو الكراهة إلا لعذر عامٍّ، نحو:.. (وغلبة النوم) والنعاس بأن يعجز عن دفعهما؛ لمشقة الانتظار حينئذٍ] اهـ.
ويشهد لذلك قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم في الحديث الشريف: «أَمَا لَكمْ فِيَّ أسْوَةٌ؟! ثمَّ قَالَ: أَمَا إِنَّه لَيْسَ فِي النَّوْمِ تَفْرِيطٌ .. إِنَّمَا التَّفْرِيط عَلَى مَنْ لَمْ يصَلِّ الصَّلَاةَ حَتَّى يَجِيءَ وَقْت الصَّلَاةِ الْأخْرَى .. فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَلْيصَلِّهَا حِينَ يَنْتَبِه لَهَا، فَإِذَا كَانَ الْغَد فَلْيصَلِّهَا عِنْدَ وَقْتِهَا..» رواه البخاري ومسلم من حديث أبي قتادة رضي الله عنه.
وما أخرجه الشيخان – واللفظ للبخاري- من حديث أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أنَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال:
«إِذَا نَعَسَ أَحَدكمْ وَهوَ يصَلِّي فَلْيَرْقدْ حَتَّى يَذْهَبَ عَنْه النَّوْم .. فَإِنَّ أَحَدَكمْ إِذَا صَلَّى وَهوَ نَاعِسٌ لاَ يَدْرِي لَعَلَّه يَسْتَغْفِر فَيَسبّ نَفْسَه».
فإذا كان النوم عذرًا لمن هو في صلاته، فبالأولى يكون عذرًا لمَن يريد الدخول فيها، ينظر: “فتح الرحمن بشرح زبد ابن رسلان” للإمام الرملي (ص: 352، ط. دار المنهاج).
الواجب على من فاتته الجمعة لعذر
إذا فاتت صلاة الجمعة على المكلف لعذرٍ؛ كالنوم ونحوه -أو لغير عذر-؛ وجب عليه قضاؤها بالإجماع.
قال العلامة ابن بزيزة في “روضة المستبين” (1/ 374، ط. دار ابن حزم): [وقد انعقد الإجماع على وجوب قضاء الصلوات الفوائت بنسيان أو نوم] اهـ.
يدلّ على ذلك: ما أخرجه الإمام مسلم في “صحيحه” عن أنس بن مالك رضي الله عنه أنَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «مَنْ نَسِيَ صَلَاةً أَوْ نَامَ عَنْهَا فَكَفَّارَتهَا أَنْ يصَلِّيَهَا إِذَا ذَكَرَهَا».
وما أخرجه أبو داود في “سننه” أنَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «رفِعَ الْقَلَم عَنْ ثَلَاثَةٍ: عَنِ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ .. وَعَنِ الصَّبِيِّ حَتَّى يَحْتَلِمَ .. وَعَنِ الْمَجْنونِ حَتَّى يَعْقِلَ».
وما أخرجه الترمذي في “جامعه” عن أبي قتادة رضي الله عنه قال: ذكروا للنبي صلى الله عليه وآله وسلم نومهم عن الصلاة، فقال لهم صلى الله عليه وآله وسلم:
«إِنَّه لَيْسَ فِي النَّوْمِ تَفْرِيطٌ، إِنَّمَا التَّفْرِيط فِي اليَقَظَةِ، فَإِذَا نَسِيَ أَحَدكمْ صَلَاةً أَوْ نَامَ عَنْهَا، فَلْيصَلِّهَا إِذَا ذَكَرَهَا».
وأخرج الإمام مسلم في “صحيحه” نحو هذا في قصة نومهم في صلاة الفجر؛ ولفظه: «أَمَا إِنَّه لَيْسَ فِيَّ النَّوْمِ تَفْرِيطٌ، إِنَّمَا التَّفْرِيط عَلَى مَنْ لَمْ يصَلِّ الصَّلَاةَ حَتَّى يَجِيءَ وَقْت الصَّلَاةَ الْأخْرَى .. فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَلْيصَلِّهَا حِينَ يَنْتَبِه لَهَا، فَإِذَا كَانَ الْغَد فَلْيصَلِّهَا عِنْدَ وَقْتِهَا».
كيفية قضاء صلاة الجمعة لمن فاتته
قضاء الجمعة أن يصلِّيَها المكلف ظهرًا أربع ركعات بالإجماع؛ قال الإمام ابن المنذر في “الأوسط في السنن والإجماع والاختلاف” (4/ 107، ط. دار طيبة): [أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على أنَّ من فاتته الجمعة أن يصلي أربعًا] اهـ.
الخلاصة
بناءً على ذلك وفي واقعة السؤال: فإنَّ مَن فاتته صلاة الجمعة بسبب النوم من غير تهاونٍ ولا تقصيرٍ لا يكون آثما شرعًا، ويلزمه قضاؤها ظهرًا اتفاقًا.
وعلى المسلم أن يحتاطَ لأمر صلاة الجمعة ويحرص على حضورها، وأن يأخذَ بما يعينه على أدائها من الأساليب والأسباب؛ كالنوم باكرًا وعدم السهر بلا فائدة.
أو كأن يعهد إلى أحدٍ أن يوقظَه، أو أن يضبط ساعته أو منبه هاتفه لإيقاظه ونحو ذلك من الوسائل التي تعين المرء على أداء صلاة الجمعة في وقتها؛ قيامًا بالفرض، وتحصيلًا للأجر وعظيم الفضل .. والله سبحانه وتعالى أعلم.
اقرأ أيضًا:
Share this content:
إرسال التعليق