
كتب: عثمان عبد الماجد
لقد برزت قوات الدعم السريع كأحد أطراف الصراع الرئيسية في السودان، وسط اتهامات واسعة بارتكاب انتهاكات جسيمة بحق المدنيين.
تلك الانتهاكات طالت الأرواح والممتلكات والبنية الاجتماعية، وأسهمت في تعميق الكارثة الإنسانية التي يعيشها البلد.
وتستند هذه الاتهامات في ظل الحرب المستعرة في السودان منذ اندلاعها في أبريل 2023 إلى إفادات شهود عيان، وتقارير حقوقية محلية ودولية، وشهادات ناجين.
إلى جانب توثيقات صحفية وإعلامية مدعومة بمقاطع مصورة جرى تداولها على نطاق واسع في السودان وخارجها.
القتل والنهب والاغتصاب.. سجل أسود يلاحق الدعم السريع
تشير الوقائع الميدانية إلى أن مناطق واسعة، خصوصاً في إقليم دارفور وولاية الخرطوم وأجزاء من كردفان، شهدت نمطاً متكرراً من العنف المنظم ضد السكان المدنيين.
شمل القتل خارج نطاق القانون، والاعتقال التعسفي، والإخفاء القسري، والنهب واسع النطاق.
وفي عدد من المدن والقرى، أفاد سكان بأن عناصر الدعم السريع نفذوا اقتحامات للمنازل والأسواق والمستشفيات، مستخدمين أسلحة ثقيلة وخفيفة في مناطق مأهولة.
ما أدى إلى سقوط أعداد كبيرة من الضحايا، بينهم نساء وأطفال وكبار سن.
دارفور .. خريطة الدم والدمار في مناطق سيطرة الدعم السريع
وفي دارفور، حيث يحمل الإقليم تاريخاً طويلاً من الصراع والانتهاكات، تفاقمت الأوضاع بشكل لافت.
فقد وثقت منظمات حقوقية حوادث قتل جماعي على أساس عرقي، خاصة في مدن مثل الجنينة ومحيطها، حيث استهدفت مجتمعات بعينها بالهجوم والتهجير القسري.
وأكد ناجون أن الهجمات لم تقتصر على الاشتباكات المسلحة، بل رافقها إحراق للمنازل والقرى، وتدمير لمصادر الرزق.
بالإضافة إلى منع للسكان من العودة، في مشهد أعاد إلى الأذهان فصولاً دامية من نزاع دارفور السابق.
كما برزت تقارير مقلقة عن استخدام العنف الجنسي كسلاح في النزاع، حيث تحدثت نساء وفتيات عن تعرضهن للاغتصاب والاعتداء الجنسي الجماعي، في سياق الهجمات أو أثناء محاولات الفرار من مناطق القتال.
وتشير هذه الشهادات إلى أن الجرائم ارتكبت في كثير من الأحيان أمام أفراد من العائلة، أو في مراكز احتجاز مؤقتة.
مما خلّف آثاراً نفسية واجتماعية عميقة، في ظل غياب شبه كامل للخدمات الطبية والدعم النفسي، وخوف الضحايا من الإبلاغ نتيجة الوصمة أو التهديد.
ولم تسلم الممتلكات الخاصة والعامة من الانتهاكات، إذ أفاد سكان في الخرطوم ومدن أخرى بتعرض منازلهم للنهب المنظم.
شمل على سبيل المثال لا الحصر، الأثاث والمركبات والمعدات الطبية والمواد الغذائية.
وامتد النهب إلى المؤسسات الحكومية، والجامعات، والمستشفيات، حيث جرى تفريغ منشآت حيوية من محتوياتها، ما أدى إلى شلل شبه تام في الخدمات الأساسية.
وفي بعض الحالات، أجبر أصحاب المنازل أو المحال التجارية على المغادرة تحت تهديد السلاح، قبل الاستيلاء على ممتلكاتهم.
المرافق الصحية
وتحدثت مصادر طبية عن استهداف مباشر للمرافق الصحية، سواء عبر الاقتحام أو تحويلها إلى ثكنات عسكرية، أو منع الطواقم الطبية من أداء عملها.
وأسهم ذلك في انهيار النظام الصحي في مناطق عديدة، وحرمان آلاف الجرحى والمرضى من العلاج.
وذلك في وقت تتزايد فيه الإصابات الناجمة عن القتال وسوء التغذية والأوبئة، وتفاقم الأمراض المعدية.
كما تم تسجيل حالات اعتداء على كوادر طبية، واعتقال بعضهم، ما دفع آخرين إلى الفرار أو التوقف عن العمل.
موجات نزوح

على الصعيد الإنساني، ساهمت هذه الانتهاكات في موجات نزوح غير مسبوقة داخل السودان وخارجه.
فقد اضطر ملايين الأشخاص إلى ترك منازلهم، متجهين إلى ولايات أكثر أمناً أو إلى دول الجوار، في ظروف قاسية تفتقر إلى الحد الأدنى من مقومات الحياة.
وتحدث نازحون عن تعرضهم للابتزاز على الحواجز، أو مصادرة ممتلكاتهم القليلة أثناء الرحلة، ما زاد من معاناتهم، خاصة في ظل نقص الغذاء والمياه والرعاية الصحية.
في السياق نفسه، واجه الصحفيون والنشطاء مخاطر كبيرة أثناء محاولتهم توثيق ما يجري، حيث سجلت حالات تهديد واعتقال واعتداء، إضافة إلى مصادرة معدات إعلامية.
وأدى ذلك إلى تضييق مساحة الوصول إلى المعلومات، وخلق بيئة يسودها الخوف، ما صعّب من جهود التوثيق المستقل والمساءلة.
نفي الدعم السريع
وعلى الرغم من نفي قوات الدعم السريع المتكرر لمسؤوليتها عن كثير من هذه الانتهاكات، أو تحميلها أطرافاً أخرى مسؤولية الفوضى.
إلا أن تكرار الشهادات وتطابق أنماط الجرائم في مناطق مختلفة، عززا مطالبات منظمات حقوق الإنسان بفتح تحقيقات مستقلة وشفافة، ومحاسبة المسؤولين عن الجرائم، وفقاً للقانون الدولي الإنساني.
كما دعت هذه المنظمات المجتمع الدولي إلى اتخاذ خطوات أكثر فاعلية لحماية المدنيين، وضمان وصول المساعدات الإنسانية دون عوائق.
وتبقى هذه الانتهاكات، بما تحمله من أبعاد إنسانية وقانونية وأخلاقية، أحد أبرز معوقات أي مسار نحو السلام والاستقرار في السودان.
فغياب المساءلة واستمرار العنف ضد المدنيين لا يهددان فقط حاضر البلاد، بل يقوضان فرص المصالحة وبناء دولة قائمة على العدالة وسيادة القانون.
وذلك في وقت يرزح فيه الشعب السوداني تحت وطأة واحدة من أسوأ الأزمات في تاريخه الحديث.
اقرأ أيضًا:
Share this content:















إرسال التعليق