
وكالات
كشفت صحيفة “لوموند” الفرنسية عن مخطط الاحتلال الإسرائيلي الخطير لبناء ميليشيات مرتزقة مسلحة في نصف قطاع غزة الخاضع للسيطرة العسكرية الإسرائيلية.
في حين أن هذه المنطقة، المعروفة بـ”الخط الأصفر”، تحوَّلت إلى مختبر لتجربة بديل هش عن حماس والسلطة الفلسطينية، يعتمد على مئات المسلحين من العصابات الإجرامية وتجار المخدرات والمتطرفين السابقين، تحت رعاية مباشرة من جيش الاحتلال.
من الإعدام إلى حماية الاحتلال
القصة تبدأ مع حسام الأسطل، ضابط سابق كان ينتظر تنفيذ حكم الإعدام بحقه في سجن “أسداع” جنوب غزة، بتهمة اغتيال مهندس من حماس بأوامر إسرائيلية.
لكن القصف الإسرائيلي في ديسمبر 2023 أجبر الحراس على الفرار، ليخرج الأسطل بعد ثلاثة أيام ويصبح قائدًا لميليشيا مسلحة على بعد أقل من كيلومتر من قاعدة عسكرية إسرائيلية توفر له الحماية الكاملة.
يسيطر الأسطل على أنقاض خان يونس خلف “الخط الأصفر” الذي يقسم غزة منذ وقف إطلاق النار في 9 أكتوبر الماضي.
ويقود ميليشيا تضم “25 عائلة” أي عشرات المقاتلين وأقاربهم، إلى جانب ثلاث مجموعات فلسطينية أخرى ممولة ومسلحة من الاحتلال الإسرائيلي.
وفي اتصال هاتفي مع “لوموند”، يؤكد الأسطل بثقة: “معًا، نمثل البديل عن حماس، وسنخلص غزة منها لأنها مسؤولة عن معاناتنا”.
رهان نتنياهو
تشير لوموند إلى أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يراهن منذ عامين على استخدام هذه الميليشيات كبديل عن حماس والسلطة الفلسطينية في القطاع.
لكن الواقع يكشف حجم الفشل الذريع لهذا المشروع، فهذه المجموعات مجتمعة لا تضم أكثر من بضع مئات من المقاتلين، وهو عدد ضئيل للغاية لا يمكنه منافسة حماس، بحسب الصحيفة الفرنسية.
والأخطر من ذلك، أن عشائرهم نفسها تبرأت منهم علنًا، بينما يحتقرهم الغزيون باعتبارهم انتهازيين فرضوا أنفسهم منذ 2024 كأبرز ناهبي قوافل المساعدات الغذائية المنظمين في القطاع تحت حماية قوات الاحتلال.
منذ وقف إطلاق النار، ينشر بعض هؤلاء المسلحين مقاطع فيديو على الإنترنت وهم يستعرضون بسيارات باجي جديدة قادمة من إسرائيل، بينما يتباهى آخرون بأسلحتهم وسترات تكتيكية.
يعرضون مدارسهم ومراكزهم الصحية البدائية، ومتاجرهم التي تبيع بأسعار إسرائيلية أقل بكثير من الأسعار في الجانب الآخر من “الخط الأصفر”.
قادة مرتزقة الاحتلال
قادة هذه الميليشيات رحبوا بخطة السلام الأمريكية، ويطاردون الحظ أملًا في الاستفادة من “إعادة إعمار” غزة.
من بين أخطر هؤلاء القادة، ياسر أبو شباب، الذي يقود عصابة ميليشيا تبث الرعب في جنوب القطاع تحت حماية الاحتلال.
بدأ نشاطه بنهب شاحنات المساعدات في بداية الحرب، ثم تطور في 2024 لمهاجمة قوافل الطعام وإعادة بيع حمولتها بأسعار خيالية.
ناهد شحيبر، أحد كبار ناقلي الأمم المتحدة، أكد لـ”لوموند” في أكتوبر 2024، أن رجال أبو شباب قتلوا اثنين من سائقيه.
كما روى أحد السائقين للصحيفة الفرنسية، شريطة عدم الكشف عن هويته، كيف سرقه هؤلاء الناهبون رغم أنه من عائلتهم.
والأخطر أن أحد قادته، غسان دحين، كان له ارتباط بالجهاد ضمن الجماعات الإرهابية المتطرفة، المجموعة الإجرامية التي بايعت تنظيم “داعش ” في 2015.
تحالفت ميليشيا الأسطل وأبو شباب في الجنوب مع ميليشيا أشرف منسي التي تقود خمسين رجلًا في شمال القطاع.
وميليشيا رامي هليس، الضابط السابق والمتمركز شرق مدينة غزة في “المنطقة الصفراء”.
يشير الأكاديمي الفرنسي دومينيك توماس، المتخصص في الجماعات المتطرفة والذي درس في الجامعة الإسلامية بغزة:
“كل هذه المجموعات متمركزة في مواقع إستراتيجية على الحدود، فهي تسيطر على طرق الدخول إلى غزة”.
حسب مصادر إسرائيلية أوردتها “لوموند”، فإن الوحدة 504 التابعة للمخابرات العسكرية الإسرائيلية، المتخصصة في تجنيد المخبرين العرب، هي التي سهلت ظهور هذه الميليشيات.
بينما يدعي الأسطل أنه يتواصل مع التنسيق الأمني العادي للجيش .. يروي أن رجاله عبروا الخط الأصفر مرتين منذ 9 أكتوبر لتبادل إطلاق النار “ضد حماس”.
وداخل “المنطقة الصفراء”، لا يلتقي رجاله بالميليشيات الأخرى: “هناك حواجز عسكرية إسرائيلية تفصل بين مناطقنا”، كما يوضح.
الجنرال المتقاعد أمير أفيفي يعترف بأن هؤلاء المرتزقة يواجهون صعوبات عندما يغامرون بالعبور إلى الجانب الآخر من الخط الأصفر: “منذ وقف إطلاق النار، لم يعودوا يحظون بدعمنا الجوي”.
مشروعات وهمية
بالتوازي مع بناء هذه الميليشيات، تدفع إسرائيل الإدارة الأمريكية نحو تنفيذ مشروعات تجريبية في “المنطقة الصفراء” الخاضعة لسيطرتها العسكرية.
وأعرب جاريد كوشنر، صهر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، عن حماسه لهذه الخطة منذ منتصف أكتوبر الماضي.
مشترطًا ألا يبدأ أي مشروع إعمار في المناطق التي لا تزال حماس تحتفظ فيها بسلاحها.
وفي الوقت الذي يجري فيه الحديث عن هذه المخططات، يعيش مليونا فلسطيني في النصف الغربي من القطاع المحاصر ظروفًا إنسانية مروعة لا توصف.
وكشفت مجلة “ذي أتلانتيك” الأمريكية أن وزارة الخارجية الأمريكية وقّعت بالفعل عقدًا مع شركة “تيترا تك” الأمريكية للبدء بإزالة الألغام وتنظيف أول موقع بناء في مدينة رفح الفلسطينية.
ورغم محاولات “لوموند” الحصول على تأكيد، رفضت الشركة التعليق على الأمر.
لكن محمد شحادة، الباحث الفلسطيني من غزة في المركز الأوروبي للعلاقات الخارجية، يسخر من هذه الخطط قائلاً:
“إنهم يحاولون بناء واجهات زائفة حول ميليشياتهم، لكن لن يذهب إليها أحد من أهل غزة.
أي عاقل سيضع مصيره وحياته بيد عصابات تجارة المخدرات ومن لهم ماضٍ مع تنظيم داعش الإرهابي؟”.
المشكلة الأكبر، حسبما “لوموند”، أن أي قوات دولية تحت مظلة الأمم المتحدة ستتردد كثيرًا في الانتشار بهذه “المنطقة الصفراء” .. طالما استمر الوجود العسكري الإسرائيلي فيها، ما يجعل كل هذه الخطط مجرد أوهام على الورق.
المصدر: القاهرة الإخبارية
اقرأ أيضًا:
Share this content:















إرسال التعليق