رئيس مجلس الإدارة والمشرف العام
د/ محمد الحسيني

تحديات بالجملة تواجه فرنسا وألمانيا مع تولي ترامب رئاسة أمريكا

تحديات تواجه ماكرون وشولتز في مواجهة أمريكا - أرشيفة
تحديات تواجه ماكرون وشولتز في مواجهة أمريكا – أرشيفة

الألمانية

تحديات كبيرة تواجل كل من ألمانيا وفرنسا، بوصفهما أكبر اقتصادين في أوروبا، وفي ظل عدم الاستقرار الحكومي المحتمل مع تولي دونالد ترامب الرئاسة في الولايات المتحدة.

العلاقات التجارية والسياسية بين الولايات المتحدة وأوروبا، قد تتأثر بشكل كبير، خاصة مع التهديدات التي أطلقها ترامب.

وذلك بفرض رسوم جمركية مرتفعة على المنتجات الأوروبية، وتغيير سياسات الدعم.

الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون والمستشار الألماني أولاف شولتز يواجهان صعوبة في الاتفاق على العديد من القضايا.

مما قد يؤدي إلى صعوبة في التفاوض والتعامل مع السياسات الأمريكية الجديدة.

في ظل تنصيب ترامب، يزداد الضغط على ألمانيا وفرنسا، للتعاون مع بقية دول الاتحاد الأوروبي، وتوحيد الصوت لمواجهة التحديات القادمة.

تعتبر هذه الدول محركي النمو في الاتحاد الأوروبي، حيث يمثلان أكبر اقتصادات الاتحاد وأكبر عدد من السكان.

لذا فإن عدم استقرار حكوماتهما، قد يؤثر سلبًا على استجابة الاتحاد الأوروبي، ككل للسياسات الجديدة التي قد ينتهجها ترامب.

مع التحديات الاقتصادية والسياسية في الأفق، من الضروري أن تعمل الدول الأوروبية على تعزيز التعاون فيما بينها.

وذلك، لضمان استقرارها الاقتصادي والسياسي، وتجنب الانقسامات التي قد تعيق قدرتها على مواجهة الضغوط الخارجية.

وتواجه ألمانيا وفرنسا تحديات سياسية كبيرة تؤثر على استقرارهما الداخلي وقدرتهما على الاستجابة للتغيرات في الساحة الدولية.

في ألمانيا، فقدت حكومة المستشار أولاف شولتز، التي تضم الديمقراطيين الاشتراكيين والخضر، أغلبية البرلمان.

مما يضع البلاد على أعتاب انتخابات مبكرة في 23 فبراير.

تشير الاستطلاعات إلى أنه من غير المرجح أن يحقق أي حزب أغلبية مطلقة، مما يعني أن المفاوضات بين الأحزاب ستكون ضرورية لتشكيل الحكومة.

ومع التحديات المرتبطة بتشكيل حكومة فعّالة، من المتوقع أن تستغرق هذه العملية شهرين على الأقل بعد تنصيب ترامب.

أما في فرنسا، فإن الوضع يبدو أكثر تعقيدًا، إذ لا يمكن إجراء انتخابات جديدة قبل يوليو 2025 وفقًا للدستور الفرنسي.

يتألف البرلمان الفرنسي من ثلاث تكتلات رئيسية: التجمع الوطني اليميني، الجبهة الشعبية الجديدة اليسارية، وكتلة الرئيس ماكرون، ولا يمتلك أي منها أغلبية حاكمة.

كما تشير عالمة السياسة كلير ديميسماي، إلى أن الوضع السياسي في فرنسا غير مستقر للغاية، حيث ترفض الكتل الثلاث التعاون.

وتفتقر الثقافة السياسية في البلاد، إلى تقاليد تشكيل حكومات ائتلافية متعددة الأحزاب، كما هو الحال في ألمانيا.

وهذا يعزز من صعوبة تشكيل حكومة أغلبية، ويزيد من احتمالية استمرار عدم الاستقرار.

هذا السياق السياسي المعقد في كل من ألمانيا وفرنسا، قد يؤثر على قدرتهما على التنسيق والتعاون في مواجهة التحديات، الناتجة عن السياسات الأمريكية الجديدة.

مما يعزز الحاجة إلى استراتيجيات مشتركة بين دول الاتحاد الأوروبي، لمواجهة هذه التحديات بشكل فعّال.

تدخل ألمانيا وفرنسا العام الجديد في وضع مالي معقد، حيث تواجه كل من الدولتين تحديات اقتصادية وسياسية، تعكس عمق الخلافات المالية بينهما.

في ألمانيا، انهار الائتلاف الحاكم بقيادة المستشار أولاف شولتز بسبب الخلافات حول الميزانية، مما أدى إلى عدم اعتماد الميزانية للعام الجديد.

وتواجه البلاد حاجة ملحة، لزيادة الإنفاق على بنيتها التحتية القديمة، لكن القوانين الحالية تقيد حجم الديون، مما يعقد إمكانية إجراء التغييرات الضرورية.

أما في فرنسا، فقد واجه رئيس الوزراء السابق ميشيل بارنييه، صعوبات في تمرير الميزانية.

مما أدى إلى فقدانه تصويت الثقة في ديسمبر من عام 2024.

الرئيس إيمانويل ماكرون عيّن فرانسوا بايرو رئيسًا للوزراء لتشكيل حكومة جديدة، لكن التحديات لا تزال قائمة.

فرنسا تعاني من ديون كبيرة، حيث يتوقع أن يصل عجز الميزانية لعام 2024 إلى 6% من الناتج المحلي الإجمالي.

وهو ضعف الحد المسموح به في منطقة اليورو، هذا الأمر دفع الاتحاد الأوروبي، إلى بدء إجراءات ضد العجز.

مما يضع الحكومة الجديدة في موقف صعب، حيث سيكون من غير المرجح أن تحصل على موافقة البرلمان على تخفيضات الإنفاق قبل صيف 2025.

كارستن برزيسكي، كبير الاقتصاديين في بنك ING، يشير إلى أن السياسات المالية المختلفة لكل من ألمانيا وفرنسا، تزيد الوضع تعقيدًا.

بينما تحتاج فرنسا إلى تقليل الإنفاق، لمواجهة ديونها الكبيرة، يجب على ألمانيا التفكير في زيادة الإنفاق لتحديث بنيتها التحتية.

ويعتبر أن هناك حاجة لتبني سياسات مالية أكثر، تنسيقًا بين الدولتين.

كلير ديميسماي، عالمة السياسة، وصفت الوضع المالي في فرنسا بأنه مهمة صعبة، مشيرة إلى ارتفاع المخاطر على الديون الفرنسية إلى أعلى مستوى منذ أزمة الديون في 2010.

كما خفضت وكالة موديز التصنيف الائتماني لفرنسا، بسبب المشاكل السياسية والمالية.

بالمقابل، تتمتع ألمانيا بعجز ميزانية أقل من 3% من الناتج المحلي الإجمالي.

لكن هناك دعوات لتعديل القوانين الحالية، لتوفير الأموال اللازمة لتحديث البنية التحتية.

يتطلب ذلك موافقة الحكومة القادمة، مما يضيف طبقة أخرى من التعقيد إلى الوضع المالي والسياسي في البلاد.

تشير التوقعات الاقتصادية للبنك المركزي الفرنسي إلى أن النمو الاقتصادي في فرنسا خلال العام الماضي سيتراوح حول 1.1%، إلا أن التوقعات لعام 2025 .

من جهة أخرى، يتوقع أن يواجه الاقتصاد الألماني، الذي يعد الأكبر في أوروبا، أزمة مستمرة مع نمو ضعيف للغاية بنسبة 0.2% في 2025.

يُعتبر التهديد الأكبر للاقتصادين، هو زيادة السياسات التجارية ، التي تحمي الأسواق المحلية من المنافسة العالمية.

وهو ما يعكس التحديات التي تواجهها الدولتان، في ظل التغيرات الاقتصادية العالمية.

بالنسبة للاقتصاد الألماني، الذي يعتمد بشكل كبير على التصدير، هناك إمكانية لتعزيزه من خلال اتفاقيات تجارية جديدة.

وقد تم اتخاذ خطوة أولى في هذا الاتجاه، عندما وقعت مفوضية الاتحاد الأوروبي وكتلة التجارة في أمريكا الجنوبية، معاهدة لإنشاء أكبر منطقة تجارة حرة في العالم.

ومع ذلك، تبقى إمكانية التصديق على الاتفاقية من قبل الدول الأعضاء، غير مؤكدة، خاصة مع معارضة فرنسا لها.

ترى كلير ديميسماي أن التجارة، تعد نقطة خلاف تقليدية بين ألمانيا وفرنسا، حيث تُظهر فرنسا اعتراضًا أكبر على الاتفاقيات التجارية مقارنة بألمانيا.

هناك شعور متزايد في فرنسا، بأن مستقبل البلاد أصبح بعيدًا عن السيطرة، مما يشكل خطرًا سياسيًا.

مع بداية ولاية دونالد ترامب الثانية، قد تواجه ألمانيا وفرنسا عقبات أكبر، بسبب عدم وحدة الرؤى بينهما.

وخلال ولايته الأولى، كان الأوروبيون في حالة من الحيرة، بشأن كيفية التعامل مع تصريحاته السياسية ومنشوراته على وسائل التواصل الاجتماعي.

يؤكد كارستن برزيسكي، على أهمية عدم الاقتصار على ردود الفعل، تجاه تصرفات ترامب.

مشيرًا إلى أن الأوروبيين، أصبحوا أكثر استعدادًا اليوم، مما كانوا عليه قبل ثماني سنوات.

ويشدد على ضرورة التركيز على تعزيز اقتصاداتهم، والاستثمار في البنية التحتية، وإجراء الإصلاحات الضرورية.

كما يُبرز أهمية التنسيق الوثيق بين السياسات في ألمانيا وفرنسا، مؤكدًا أن التعاون بين أكبر اقتصادين في أوروبا يعد ضروريًا لدفع المشروع الأوروبي قدمًا.

في النهاية، يتطلب الوضع الراهن في أوروبا، استجابة منسقة وفعالة من ألمانيا وفرنسا، لمواجهة التحديات الاقتصادية والسياسية، وتعزيز موقفهما في الساحة الدولية.

Share this content:

إرسال التعليق

مقالات أخري